تكنولوجيا

المادة المظلمة تكشف عن نفسها.. توهج أشعة غاما يفتح باب اللغز

كريترنيوز /متابعات /وائل زكير

 

كانت المادة المظلمة واحدة من أكبر الألغاز في الكون، تشكل معظم كتلة الكون لكنها تظل خفية عن أعيننا.

مؤخراً، رصد علماء الفلك توهجاً غامضاً لأشعة غاما في قلب مجرة درب التبانة، وقد يكون هذا التوهج المفتاح الأول لكشف وجود هذه المادة الغامضة. يشير هذا الاكتشاف غير المباشر إلى أن جسيمات المادة المظلمة قد تتفاعل في مركز المجرة، مطلقة طاقة على شكل أشعة غاما، وهو ما يفتح الباب أمام فهم جديد لطبيعة الكون والقوى الخفية التي تتحكم فيه.

هذا التوهج أثار اهتمام الباحثين، حيث ظهرت فرضيتان رئيسيتان لتفسيره، الأولى تتعلق باصطدام جسيمات المادة المظلمة وفناء بعضها البعض، مطلقة أشعة غاما كمنتج ثانوي، بينما الثانية تشير إلى أن مصادر معروفة، مثل النجوم النابضة أو الثقوب السوداء الهائلة، هي المسؤولة.

ومع ذلك، أظهرت عمليات المحاكاة الحديثة أن النمط المرصود يتوافق بشكل أفضل مع فرضية المادة المظلمة، ما يمنح العلماء بصيص أمل جديد في كشف لغزها.

لغز توهج أشعة غاما

في قلب مجرة درب التبانة، لاحظ علماء الفلك فائضًا غير اعتيادي من أشعة غاما، أكثر أشكال الضوء نشاطًا في الكون. تقع هذه الظاهرة في منطقة مكتظة بالنجوم والغاز والثقب الأسود الهائل (ساجيتاريوس أ*)، لكنها لا تزال مجهولة المصدر.

يقول جوزيف سيلك، عالم الكونيات بجامعة جونز هوبكنز: “فهم طبيعة المادة المظلمة التي تملأ مجرتنا والكون بأكمله يعد أحد أعظم التحديات في الفيزياء”، ويضيف: “هذه الظاهرة قد تكون المفتاح لفهم هذه القوة الغامضة”.

المحاكاة تدعم فرضية المادة المظلمة

باستخدام محاكاة حاسوبية فائقة التطور، حدد الباحثون توزيع المادة المظلمة المتوقع في مركز المجرة، ووجدوا أن نمط أشعة غاما المرصود يتطابق بدقة مع توقعات تصادم جسيمات المادة المظلمة.

يضيف سيلك: “نتيجتنا تشير إلى أن المادة المظلمة تتوافق مع بيانات أشعة غاما بنفس جودة التفسيرات الأخرى، مثل النجوم النابضة”. وتعد هذه النتيجة خطوة مهمة نحو الكشف غير المباشر عن المادة المظلمة.

المادة المظلمة لا تتفاعل مع الضوء، لذا يعتمد العلماء على تأثيرها الجاذبي على المادة المرئية. تُظهر التلسكوبات آثارها من خلال حركة النجوم والمجرات، لكن رصد جسيماتها مباشرة ظل بعيد المنال حتى الآن.

اصطدام الجسيمات

واحدة من الخصائص المثيرة لفرضية المادة المظلمة هي إمكانية فناء جسيماتها عند اصطدامها ببعضها البعض، مطلقة أشعة غاما نشطة. يوضح سيلك: “أبسط فرضيات المادة المظلمة تفترض أن جسيماتها مضادة لنفسها، وعند اصطدامها تفنى تمامًا، مما يولد إشعاع غاما مشابه للتفاعلات بين البروتونات والبروتونات المضادة”.

التفسيرات التقليدية: النجوم والثقوب السوداء

البديل للمادة المظلمة يشمل النجوم النابضة والثقوب السوداء الهائلة، التي تُصدر أشعة غاما بشكل طبيعي. إلا أن فائض الأشعة المرصود أكبر بكثير من المتوقع، مما يجعل فرضية المادة المظلمة أكثر جاذبية لتفسير هذا اللغز الكوني.

ما هي المادة المظلمة؟

المادة المظلمة هي واحدة من أكثر الألغاز غموضا في الكون. على الرغم من أنها لا تصدر أو تعكس أو تمتص الضوء، فإننا نعرف بوجودها من خلال تأثيرها الجاذبي على الأشياء المرئية، مثل النجوم والمجرات. بدون وجود المادة المظلمة، لن تدور المجرات بالسرعة التي نراها، ولن تتشكل الهياكل الضخمة في الكون كما هي اليوم.

تشكل المادة المظلمة حوالي 80% من المادة في الكون، لكنها مختلفة تمامًا عن المادة العادية التي نعرفها وتشكل النجوم والكواكب والكائنات الحية. العلماء يطلقون على المادة العادية اسم “باريونية”، بينما تبدو المادة المظلمة “غير باريونية”، أي أنها ليست مصنوعة من الذرات التي نعرفها، وفقا لموقع ” space”.

يعتقد الباحثون أن المادة المظلمة تلعب دورا أساسيا في تشكيل المجرات وتطورها عبر مليارات السنين، فهي تساعد في ربط النجوم والمجرات معًا، وتشكل الهيكل الكوني الذي يحيط بنا.

بالرغم من العقود الطويلة من البحث، لا يزال العلماء عاجزين عن رؤية جسيمات المادة المظلمة مباشرة، ولكن الدراسات الحديثة، مثل رصد توهج أشعة غاما في قلب مجرة درب التبانة، قد تمنحنا لمحة أولية عن طبيعتها. هذا الاكتشاف غير المباشر قد يكون خطوة مهمة نحو فك لغز القوة الغامضة التي تتحكم في الكون، ويفتح الباب أمام فهم جديد للكون من حولنا.

زر الذهاب إلى الأعلى