تكنولوجيا

ثورة صامتة.. كيف تُعيد الجاذبية الصفرية برمجة الجهاز المناعي لرواد الفضاء؟

كريترنيوز/ متابعات/ البيان/ وائل زكير

بين النجوم وعلى متن المحطات الفضائية، لا تواجه أجساد رواد الفضاء تحديات الفضاء الخارجي فقط، بل تواجه ثورة داخلية صامتة. الجاذبية الصفرية لا تؤثر على العظام والعضلات فقط، بل تتسلل إلى أعماق خلايا الجهاز المناعي وتعيد برمجتها بطريقة لم يشهدها الجسم من قبل.

 

ما كان يعمل بتناغم على الأرض يبدأ فجأة بالتصرف بشكل غريب، بعض الفيروسات الكامنة تستيقظ، واستجابة الدفاعات الحيوية تتغير.

 

في هذا العالم الجديد، يصبح الفضاء أكثر من مجرد فراغ؛ إنه مختبر ضخم يختبر حدود جسم الإنسان ويدفع العلم لاكتشاف طرق لحماية مناعة رواد الفضاء في رحلاتهم الطويلة بين الكواكب.

 

بينما تتحضر البشرية لمهام فضائية أطول وأبعد، يكشف علم جديد يُعرف بـ«علم المناعة الفلكي» كيف يعيد الفضاء برمجة جهاز المناعة البشري بطريقة مفاجئة وغامضة.

 

لطالما ارتبط السفر إلى الفضاء بالإثارة، لكن الواقع البيولوجي لرواد الفضاء أكثر قسوة مما نتخيله، فالحياة في المدار، تحت تأثير انعدام الجاذبية والإشعاع الكوني، تُحدث اضطرابات دقيقة ومعقدة في خلايا الجهاز المناعي، ما يترك الإنسان عرضة لمخاطر صحية غير متوقعة.

 

ضعف المناعة وأعراض غريبة

 

على مدار سنوات، لاحظ العلماء أن رواد الفضاء يعانون من ضعف المناعة وأعراض غريبة، من نزلات البرد المتكررة إلى طفح جلدي غامض، دون أن يعرفوا السبب الدقيق.

 

أتاح التحليل المتعدد الجينات، الذي يفحص الخلايا على مستوى جزيئي فائق الدقة، تفسير هذه الظواهر، فقد اكتشف الباحثون أن الخلايا التائية والبائية وغيرها من الخلايا المناعية تتصرف بشكل غير متوقع في انعدام الجاذبية، وأن بعض الفيروسات الخاملة، مثل فيروس إبشتاين بار وفيروس الهربس، يمكن أن تنشط مجدداً، مما يضاعف خطر الإصابة بالأمراض، وفقا لموقع “dailygalaxy”.

 

تغيرات في ميكروبيوم الأمعاء

 

كما أظهر البحث تغيرات في ميكروبيوم الأمعاء، الذي يلعب دورا أساسيا في وظيفة المناعة، مما يشير إلى أن الفضاء لا يقتصر تأثيره على الخلايا المناعية فقط، بل يعيد ضبط البيئة الحيوية للجسم بأكمله.

 

هذه التغيرات تجعل من الضروري إيجاد حلول متقدمة لضمان صحة الرواد، خصوصا مع خطط الاستيطان الطويلة على القمر والمريخ، حيث عوامل مثل الغبار الكوكبي، الإشعاع المرتفع، وتغير الجاذبية قد تزيد من ضعف المناعة.

 

مواجهة التحديات

 

في مواجهة هذه التحديات، يجرب العلماء مجموعة من الاستراتيجيات المبتكرة: من تطوير لقاحات مصممة خصيصا لظروف الفضاء، إلى تحديد المركبات الغذائية التي تعزز المرونة المناعية، واستخدام مكملات نباتية مثل كيرسيتين التي قد تساعد على تطبيع استجابات الجهاز المناعي. يعتمد البعض أيضًا على التعلم الآلي لتتبع التغيرات في الوقت الفعلي والتنبؤ بالمخاطر قبل حدوثها.

 

يؤكد الباحثون أن علم المناعة الفلكي لا يزال في بداياته، لكن إمكانياته هائلة. فهو لا يوفر فهماً عميقًا لكيفية تفاعل أجسامنا مع الفضاء فحسب، بل يمهد الطريق لتطوير استراتيجيات لحماية صحة البشر في الرحلات بين الكواكب.
زر الذهاب إلى الأعلى