منوعات

«تجارة خفض القيمة».. لماذا ارتفع الذهب والبيتكوين والأسهم إلى مستويات قياسية؟

كريترنيوز /متابعات /أحمد الشنقيطي

يتجه المستثمرون بكثافة نحو أصولٍ مثل الذهب والبيتكوين والأسهم، وسط تصاعد القلق من مستويات الدين الحكومي، وتراجع استقلالية البنوك المركزية، وضعف العملات الكبرى مثل الدولار. وقد أُطلق على هذه الموجة مصطلح جديد في وول ستريت: «تجارة خفض القيمة» (The Debasement Trade). لكن ما المقصود بها بالضبط؟

“خفض القيمة” يعني تقليص جودة الشيء أو قيمته.. ومن أشهر أمثلته التاريخية ما فعله الملك الإنجليزي هنري الثامن، الذي قلّل محتوى الذهب والفضة في العملات واستبدلهما بمعادن أرخص كالـنحاس لتمويل حروبه وبذخه.

في العصر الحديث، تشير «تجارة خفض القيمة» إلى تحوّل المستثمرين عن “العملات الورقية” مثل الدولار، نحو «الأصول صلبة» مثل الذهب أو البيتكوين، خوفاً من خطر التضخم الجامح وفقدان الثقة في العملات الرسمية.

تغذّي هذه الموجة المخاوف من أن الحكومات لم تعد قادرة أو راغبة في كبح الاقتراض عبر خفض الإنفاق أو زيادة الضرائب، وأن السياسيين قد يتولّون زمام البنوك المركزية لتمويل العجز، مفضلين تمويل الديون على استقرار الأسعار.

لماذا تتصدر المشهد الآن؟

القلق من العملات الورقية قائم منذ سنوات، لكنه ازداد حدةً في ظل سياسات إدارة ترامب التجارية والمالية، التي تهدّد بدفع الدين القومي الأميركي – البالغ حالياً 37 تريليون دولار – إلى مستويات أعلى.

وتعززت «تجارة خفض القيمة» مع ملاحظة المستثمرين أن البنوك المركزية تواصل خفض أسعار الفائدة رغم بقاء التضخم فوق المستهدف، بينما يطالب ترامب بخفض أكبر في تكاليف الاقتراض.

الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة، وعجز فرنسا عن إقرار موازنة، وتبنّي رئيس وزراء اليابان المقبل سياسة إنفاق عام توسعية، كلها عمّقت الشكوك بشأن استدامة الديون في الاقتصادات الكبرى.

تزايدت المخاوف من «طباعة الأموال» منذ برامج التحفيز خلال الأزمة المالية، لكن الثقة بالنظام المالي العالمي تزداد ضعفاً اليوم في ظل تباطؤ النمو وارتفاع المديونية.

كيف يطبقها المستثمرون؟

يقوم المستثمرون بزيادة إنفاقهم من الاحتياطيات النقدية الورقية على أصول لا يمكن «طباعتها» مثل المعادن الثمينة والبيتكوين.

ويرى محللو جيه بي مورغان أن هذا هو النمط المألوف لـ«إفقار الدولار» أمام الأصول الاحتياطية البديلة وسط الاضطراب في واشنطن.

بيانات مجلس الذهب العالمي تشير إلى تدفق قياسي في الربع الأخير إلى صناديق المؤشرات المدعومة بالذهب، في ظل الضبابية الاقتصادية والسياسية.

ما تأثيرها؟

أسعار بعض الأصول بلغت عنان السماء.. فالذهب تجاوز 4000 دولار للأونصة لأول مرة هذا الأسبوع، مسجلاً ارتفاعاً بنسبة 50% في عام 2025.

أما البيتكوين، فقد قفز بأكثر من 20% منذ يناير ليبلغ 125 ألف دولار للمرة الأولى.

في المقابل، تراجع الدولار الأميركي – الذي يقوم عليه النظام المالي العالمي – بنحو 9% منذ بداية العام أمام سلة من العملات، مع تزايد الشكوك في مكانته كعملة احتياط رئيسية.

تكاليف الاقتراض الحكومي طويلة الأجل ارتفعت بدورها، مع عزوف المستثمرين عن السندات خوفاً من أن يلتهم التضخم قيمتها الحقيقية. وتشير بيانات دويتشه بنك إلى أن العقد الحالي هو الأسوأ في تاريخ السندات الحكومية.

الضعف المتزايد للدولار وصعود الأصول البديلة أثارا التكهنات بأن البيتكوين قد يصبح أصلاً احتياطياً إلى جانب الذهب.

ويرى محللون أن «تخصيصاً استراتيجياً للبيتكوين قد يشكّل حجر أساس جديداً للأمن المالي، شبيهاً بدور الذهب في القرن العشرين»، متوقعين إدراجهما في ميزانيات البنوك المركزية بحلول عام 2030.

هل يدوم هذا الاتجاه أم ينتهي بانفجار؟

تتوقع غولدمان ساكس استمرار ارتفاع الذهب خلال العام المقبل، وقد رفعت تقديراتها لسعره بنهاية 2026 إلى 4900 دولار للأونصة.

لكن كثيراً من الخبراء يحذرون من أن الأسعار بلغت مستويات مبالغاً فيها، مدفوعةً بحماسة الذكاء الاصطناعي، ما يعيد للأذهان فقاعة الدوت كوم في أواخر التسعينيات.

رجال أعمال ومستثمرون يرون أن «جميع المكوّنات متوافرة لانفجارٍ كبير.. التاريخ يعيد نفسه، والوضع الحالي أكثر قابلية للاشتعال من عام 1999».

الذهب أيضاً يلعب دور الملاذ الآمن من احتمال انهيار فقاعة أسهم الذكاء الاصطناعي، بعد سلسلة من الصفقات المتشابكة التي رفعت قيم تلك الشركات ودَفعت الأسواق إلى قمم جديدة مدفوعة بما يُعرف بـ«تجارة الفومو» (الخوف من تفويت الفرصة)

زر الذهاب إلى الأعلى