“رسائل بالانتير” تثير الجدل وتستخدم الفلسفة لـ”تشريح” الرؤساء التنفيذيين المنافسين

كريترنيوز /رشا عبد المنعم
شهدت أسواق المال العالمية هيمنة طويلة الأمد لـ “خطاب الأرباح” التقليدي؛ المبني على لغة غامضة ومقيدة تستخدمها الإدارات العليا لتجميل الواقع وإخفاء التعقيدات، ما يجعل المستثمر العادي يشعر بالاغتراب عن قرارات الشركات الكبرى.
لكن يبدو أن هذه القواعد قد كُسرت أخيراً.
ففي تحول جريء يهدد بـ “تشريح” هذا النموذج برمته، قرر أليكس كارب، الرئيس التنفيذي لشركة “بالانتير”، المتخصصة في برمجيات الدفاع والذكاء الاصطناعي والتي قفزت قيمتها السوقية لتلامس نصف تريليون دولار، تبني أسلوب جديد مثير للجدل.
فبدلاً من البيانات المالية الجافة، أصبحت رسائله للمساهمين منصة لـ “بيانات فلسفية” نارية، لمهاجمة “نخب التكنوقراط” في وادي السيليكون وإثارة أسئلة وجودية حول دور التكنولوجيا في المجتمع.
فما الذي يجعل هذا القائد الاقتصادي يرفض لغة المال ويتحدث بلغة المفكرين؟ وكيف أثارت هذه الرسائل العاصفة في الأسواق وحولت تقارير الأرباح إلى أداة للهجوم العلني على المنافسين؟
هذا التحليل يكشف السر وراء استراتيجية “بالانتير” التي حولت الرئيس التنفيذي إلى “نجم روك” جديد في عالم المال.
يشكل تقليد “مكالمات الأرباح” في قطاع التكنولوجيا نموذجاً للخطاب المتردد والضبابي، وهي مؤتمرات هاتفية أو جلسات بث مباشر تُعقد بين الإدارة العليا للشركة والمحللين والمستثمرين لمناقشة النتائج المالية ربع السنوية والتوقعات المستقبلية.
يغلب على هذه المكالمات استخدام عبارات عامة ومجردة حول “الزخم التصاعدي” أو “الخطط الواعدة”، مع تجنب أي التزام واضح بالحقائق القاسية.
كارب، ومنذ طرح “بالانتير” للاكتتاب العام، طور استراتيجية تواصل غير مسبوقة في “وول ستريت”. فبدلاً من الاكتفاء بالبيانات المالية الروتينية، يخصص كارب وقتاً لكتابة رسائل مطولة ربع سنوية للمساهمين، بالتعاون مع نيك زاميسكا.
هذه الرسائل تتجاوز التحليل المالي لتهجم بعمق في قضايا الجغرافيا السياسية والفلسفة والنقد الاجتماعي. وقد استغل كارب هذه الرسائل الـ 14 المنشورة (باللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية) لمهاجمة “النخب التكنوقراطية” في وادي السيليكون والمشككين في التكنولوجيا، منتقداً “الجشع” في استغلال الشركات للبيانات الخاصة للمستهلكين.
كما قدم فيها تعهدات واضحة بدعم مواقف سياسية حساسة، ووصف الموظفين بمزيج من “اليساريين المتطرفين” و “المطلقين لحرية التعبير”، مشيراً إلى فقدان الولايات المتحدة “لإحساسها بالثقة الداخلية”.
ما يزيد من صدمة هذه الاستراتيجية هو أن محتوى كارب الجريء لا يخضع للرقابة المؤسسية. حيث أكدت ليزا جوردون، رئيسة الاتصالات في الشركة، أنها لا تجري “أبداً” أي تعديلات على رسائل كارب، الذي يتبجح بـ “أرقام الشركة الضخمة” في مكالمات الأرباح.
المفاجئ، أن هذا الأسلوب انعكس بشكل إيجابي على أداء السهم، خاصة بين المستثمرين الأفراد الذين يشكلون “جماعة” تدعم الشركة.
وبحسب المستثمر أميت كوكريجا، فإن رسائل كارب “تلامس الواقع بطريقة فلسفية”، ما ضاعف عدد المتابعين لكتابات كارب ومحادثاته بمئة ضعف خلال العام الماضي، محوّلاً الرئيس التنفيذي إلى “نجم روك” في عالم المال.
هذا التحول “الفلسفي” يُظهر كيف يمكن للقائد الاقتصادي أن يشعل تفاعلاً هائلاً في السوق من خلال رفض لغة الشركات التقليدية والتحول إلى خطاب فكري ناقد.