عريس هندي في السجن 40 يوماً.. و100 طبق يومياً يكشف سر “ماروماكاثايام” القديم!

كريترنيوز /متابعات /رشا عبد المنعم
في مدينة تلاسيري الساحلية بولاية كيرالا الهندية، لا يزال تقليد زفاف يقاوم الزمن ليروي قصة حب وتاريخ عمرها أكثر من سبعة قرون.
هذا التقليد، المعروف باسم “بويّابلّا بيروكّال”، والذي يُترجم حرفياً إلى “رعاية الصهر”، هو احتفال فريد من نوعه يضع العريس في صدارة الاهتمام لمدة أربعين يوماً كاملة داخل منزل زوجته الجديدة.
لكن ما يجعله غير مألوف بحق، هو التعهد غير المعلن لـ “حموات الهند” بتقديم وليمة يومية ضخمة تشتمل على ما يصل إلى 100 طبق طهي مختلف ونادر التكرار، وهو ما يعد دليلاً على عمق الثقافة والضيافة المابيلاوية.
إن أصول هذه العادة متجذرة في التاريخ المعقد لساحل مالابار. فعلى مدار قرون، كانت تلاسيري، المشهورة بإنتاج الهيل والفلفل والقرنفل، مركزاً تجارياً عالمياً استقطب الملاحين العرب والفرس، وكذلك القوى الأوروبية.
هذا التفاعل المستمر مع العالم الخارجي صبغ ثقافة مسلمي المابيلا بصبغة فريدة، وساهم في خلق ثقافة ضيافة تتسم بالفخامة والبذخ، وهو ما ينعكس بوضوح في “البيروكّال”.
إن تاريخ هذا التقليد، الذي يُعتقد أنه يعود إلى القرن الثالث عشر، يؤكد أن هذه الوليمة ليست ظاهرة حديثة، بل هي إرث متوارث منذ عهد ازدهار تجارة التوابل.
ويُعتقد أن جزءاً من الدافع وراء هذا الطقس مرتبط بـنظام “ماروماكاثايام” الأمومي القديم في كيرالا، والذي كان سائداً بين المابيلا الساحليين.
بموجب هذا النظام، كان يُنظر إلى العريس (بوتياپلا أو الصهر) على أنه “ضيف” أو “زائر” لأسرة زوجته التي تتبع الخط الأمومي، حيث تعود حقوق الممتلكات والنسب للأم وأبنائها.
ولذلك، كان الهدف من طقس “البيروكّال” هو تكريم الصهر بصفته رجلاً قادماً من خارج العائلة، وضمان مكانته وراحته داخل النسيج العائلي الجديد لمدة أربعين يوماً، وهي فترة ترمز إلى البركة والتأمل في الثقافة الإسلامية والمحلية، وتحاكي فترات النضج الروحي أو العزلة قبل الدخول في مرحلة جديدة.
إن قائمة الطعام التي تُقدم للعريس هي بمثابة سرد تاريخي للمنطقة، وتتجاوز كونها مجرد أطباق شهية. يبدأ هذا الماراثون الغذائي بتقديم أطباق الأرز الفاخرة مثل برْياني تلاسيري، الذي يتميز عن باقي أنواع البرياني باستخدام أرز” جيراكاشالا” ، ويُعد طبقاً مميزاً للمنطقة.
ويتضمن العرض اليومي مجموعة هائلة من المأكولات البحرية المتقنة، مثل كالمماكايا نيراشاثو (بلح البحر المحشو)، وأنواع الكاري الحارة، بالإضافة إلى فنون الخبز المتمثلة في فطائر “الباثيري” الرقيقة التي تتنوع طرق تقديمها، وحلويات متأثرة بالثقافة العربية مثل” موتّا مالا” و” أليفيكّا “، مما يجعل كل وجبة بمثابة درس في الجغرافيا الثقافية لمنطقة مالابار.
استثمار البذخ
بالطبع، كل هذا البذخ لا يخلو من ثمن. على الرغم من أن التكلفة الفعلية لهذا التقليد غير رسمية ويتم تحملها مباشرة من قبل العائلات دون إحصاءات حكومية، إلا أن خبراء التموين المحليين يقدرون أن التكلفة النقدية المباشرة للمكونات الغذائية الفاخرة والمطلوبة لإعداد هذا الكم الهائل من الأطباق غير المكررة، قد تتراوح بين 2500 دولار أمريكي وتصل إلى 5000 دولار أمريكي أو أكثر للعائلات التي تصر على أقصى درجات الفخامة والبذخ، مع الأخذ في الاعتبار أن هذا المبلغ لا يشمل الجهد البشري والوقت الذي تستثمره الأمهات والقريبات.
إن هذا الإنفاق الهائل هو دليل آخر على المكانة الاجتماعية الرفيعة التي يحظى بها الصهر، ويؤكد أن التكريم في هذه الزاوية من العالم هو استثمار في الروابط العائلية يتجاوز حدود الزمن والمال.
وفي العصر الحديث، وعلى الرغم من التحديات اللوجستية التي يفرضها هذا الالتزام غير العادي والتحول التدريجي إلى تقليل مدة الإقامة من 40 يوماً إلى أيام معدودة في بعض الأسر، فإن “بويّابلّا بيروكّال” لا يزال صامداً في تلاسيري، مؤكداً على فخر لا يضاهى بالهوية الثقافية لمسلمي المابيلا، ومقدماً للعريس هدية لا تُنسى: إرثاً من الحب والتاريخ ملفوفاً في مائة طبق مختلف.