من الخيال إلى الأسطورة.. سر التنين الذي أدهش البشر

كريترنيوز/ متابعات /زياد فؤاد
من كهوف أوروبا المظلمة إلى الأنهار العظيمة في الصين، يحكم التنين بلا منازع عرش الأساطير، إنه وحش الوحوش؛ كائن زاحف ضخم يطير ويحرق الأرض بالنار لآلاف السنين، تساءلت الحضارات عن أصله وما السر وراءه، وتعددت النظريات، فهل يمكن أن يكون هناك كائن حقيقي بهذا الوصف اختفى من الوجود؟
التنين، كما نعرفه في الملحمات، هو في جوهره نموذج إبداعي ومركب للوعي البشري القديم، وليس كائناً بيولوجياً حقيقياً، حيث يؤكد علم الأحياء القديمة (PALEONTOLOGY) أن الوصف الأسطوري للتنين يتناقض مع القوانين الأساسية للبيولوجيا.
والدليل الأحفوري، أيضاً يشير بوضوح إلى أنه لم يتم العثور على أي حفريات أو بقايا مادية لكائن حي، من أي حقبة زمنية، يطابق المواصفات الأسطورية للتنين المجنح الضخم الذي ينفث النار، ويشير هذا الغياب الكامل إلى أن المخلوق لم يتواجد قط في السجل الأحفوري.
وعند ربط طبيعة الأرض في منطقة شرق آسيا منشأ أسطورة التنانين، فيبدو أن جيولوجياً فأرض جنوب شرق آسيا على وجه الخصوص أرض زلزالية بركانية، وربما نشأت الأسطورة من نفث البراكين للحمم مع الزلازل التي تخلفها الانفجارات البركانية، الأمر الذي جعل الإنسان البدائي في فجر التاريخ يعتقد أن تلك النيران التي تهدم القرى والمخيمات ما هي إلا وحش ينفث نيرانه قادم من الجبال والكهوف التي هي منشأ الزلازل والبراكين.
وفكرة كائن ضخم يتمتع بالقدرة على الطيران تتطلب تعديلات هيكلية غير عادية، بينما فكرة نفث النار تطرح مشكلة بيولوجية شبه مستحيلة، فلا يوجد أي كائن حي معروف قادر على إنتاج أو تخزين ودفْع مواد كيميائية حارقة قابلة للاشتعال الذاتي بكميات كافية لتكوين لهب ضخم، دون أن يدمر جهازه التنفسي في العملية، هذه الصفة، على وجه الخصوص، تُبقي التنين راسخاً في مملكة الخيال.
الأصول التاريخية
وإذا كان التنين غير حقيقي، فما الذي أشعل خيال البشر؟ تشير الأبحاث إلى أن أسطورة التنين نشأت من محاولة الحضارات القديمة تفسير ظواهر عالمها الغامض دون وجود علم راسخ في فجر التاريخ لتفسير تلك الظواهر الطبيعية أو الحفريات التي عثر عليها.
وتُعد هذه النظرية هي الأقوى في تفسير الشكل الجسدي للتنين، حيث كان القدماء يعثرون باستمرار على عظام ضخمة مدفونة في الأرض، وقبل عصر علم الأحافير الحديث، لم يكن لديهم تصنيف لهذه البقايا.
في الصين، تم توثيق “عظام التنين” (وهي في الواقع حفريات ديناصورات) منذ آلاف السنين، وكانت تُستخدم في الطب التقليدي.
وفي الغرب، يمكن أن تكون الاكتشافات الأوروبية لحفريات التيروصورات (الزواحف الطائرة) قد ألهمت فكرة التنين المجنح، بينما ألهمت الحفريات الطويلة للزواحف البحرية فكرة التنين الأفعواني.
براعة بناء الوحش
وقام العقل القديم، ببراعة، بـ “بناء” الوحش من العظام المتناثرة التي عثر عليها في باطن الأرض، رابطاً إياه بنيران البراكين، ومعتبراً أن ذلك الوحش الذي بناه عقله هو السبب في الحمم والحرائق، في غياب علمين أساسيين وهما علم الحفريات والجيولوجيا، ما سمح للخيال البشري بنسج الحكايات.
وفي العديد من الثقافات، لم ينشأ التنين من حيوان واحد، بل من دمج صفات أكثر الكائنات قوة ورهبة في البيئة المحلية، فالتنين الصيني (LÓNG): تشير الدراسات إلى أنه نتاج دمج طواطم قبائل متعددة، فهو يمتلك قرون الغزال، وجسم الأفعى، ومخالب النسر، وحراشف السمكة، كان هذا التركيب رمزاً للقوة الإمبراطورية والوحدة، حيث قيل إن أباطرة الصين هم “أبناء التنين”.
أما التنين الغربي (DRAGON) فاشتق من مزيج بين الأفاعي الضخمة والأسود، مع إضافة الأجنحة لتمثيل تهديداً شاملاً للأرض والسماء.
وبالنسبة للعديد من الحضارات الآسيوية، ارتبط التنين ارتباطاً عميقاً بقوة عنصرية حقيقية، حيث في الصين وفيتنام واليابان، التنين هو إله المياه، كان يعتقد أن حركة التنين في السماء تسبب الأمطار والسحب والرعد، ما يجعله المتحكم في الخصوبة والفيضانات، هذه الرؤية الروحية جعلت التنين رمزاً للخير والحظ السعيد، وفي الوقت نفسه ربما يكون الربط دليلاً على الدخان المتصاعد من الحمم البركانية والذي يصنع سحباً تؤدي للأمطار.
رمز الفوضى
وفي التراث الأوروبي ارتبط التنين بكونه رمزاً للفوضى والشر، خاصة بعد انتشار المسيحية، وارتبط التنين بالكتاب المقدس والوحش الشرير الذي يمثل الشيطان والفوضى التي يجب على الأبطال (كالقديس جورج) التغلب عليها.
وعلى الرغم من أن التنين الأسطوري لم يطأ الأرض يوماً، فإن قصته تعد مثالاً مذهلاً على كيفية استخدام البشر للخيال لملء فجوات المعرفة، حيث حوّل العقل البشري عظماً قديماً أو ثعباناً كبيراً أو ظاهرة جيولوجية غير مفهومة إلى رمز ثقافي عالمي للقوة الأبدية، ليظل التنين حياً ليس في الواقع، بل في ذاكرة ووجدان الإنسانية.