(الوحدة اليمنية) أسقطت هيبة الدولة في اليمن والجنوب، وكان المواطن آخر اهتماماتها (فسقطت).. فكيف لها أن تنهض مجددًا؟

كريترنيوز / تقرير
بحسب رؤية وتشخيص مراقبين للحالة السيئة التي تمر بها اتفاقية الوحدة اليمنية المشؤومة التي أُعلنت في 22 مايو 1990م بين دولتي جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية قولهم ؛ لأن الوحدة الألمانية تمت بين شعب واحد الهوية والثقافة والتاريخ صمدت ، ولم ولن تفشل ولم تتخللها أية حروب أو نزاعات سياسية أو ثقافية أو عرقية.
فيما الوحدة اليمنية تمت بين شعبين مختلفي الهوية والثقافة التاريخية الفكرية والاجتماعية..الخ فحدث تصادم اجتماعي وثقافي وحتى عرقي تبعه فشل وحروب استنزاف بدأت في العام 1994م ولاتزال قائمة حتى اللحظة معها وصل شعب الجنوب إلى قناعة تامة بفشلها وحتمية أن يستعيد كل شعب وطنه، حقنا للدماء ولإيقاف حروب الاستنزاف التي أنهكت الشعبين وباتت مصدر خطر يهدد أمن واستقرار الإقليم والعالم ، ولكن في المقابل لاتزال نبرة الهنجمة الدموية عالقة على السُّنة الشماليين ( اليمن الشمالي صنعاء)
ففي إحدى المناسبات الوحدوية ظهر عضو المكتب السياسي لجماعة الحوثي المدعو محمد البخيتي وهو يتشدق بخطاب شديد اللهجة محذراً من وصفهم بدول العدوان بعدم المساس بالوحدة اليمنية معلنا أن أي تحرّك لتقسيم اليمن ، فإن الرد سيكون في الرياض وأبوظبي هذا التهديد لم يكن وليد الساعة ولا الأول من نوعه ، فقد سبقه تهديدات حوثية صريحة تعلن الحرب من أجل الحفاظ على الوحدة اليمنية ، وفي وقت سابق قال عضو فريق المفاوضات لجماعة الحوثي المدعو عبد الكريم العجري إن الوحدة اليمنية خط أحمر وما دونه شت الرماد. وكل تلك الشعارات الحوثية والإخونجية الدموية هي امتداد لشعار الهالك عفاش الذي كان يتغنى به عقب انتصاره في حرب 1994م ، (الوحدة أو الموت).
(الوحدة اليمنية) أسقطت هيبة الدولة :
عقب الوحدة اليمنية مباشرة أنهارت دولة الجنوب جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وتحولت من دولة نظام وقانون إلى مسرح لتصفية حسابات قديمة وعادت الثأرات القبلية إلى واجهة المشهد وتفشت ظاهرة حمل السلاح والرشوة والفساد والقائمة السلبية تطول، وحلت الأعراف القبلية محل السلطة القضائية وتدريجيا ذابت دولة النظام والقانون والمؤسسات وتحولت البلد جنوبًا إلى أشبه بقانون الغاب كذلك الوضع في الشمال تجذرت سلطة الطبقات الحاكمة وأحكمت سيطرتها على البلد وامتد نفوذها جنوبا ومعه صدّرت ثقافتها القبلية الجاهلية وأصابت شعب الجنوب تلك العدوى الجاهلية ومعه سقط جوهر الدولة وأفرغت تماما من مقوماتها الأساسية التي تحولت إلى مجرد شعارات صوتية. وهيمن عليها رجال القبيلة وسادتها الأحكام العرفية. في مقابل ذلك استغل الهالك عفاش ذلك الوضع المترهل الذي كان هو أبرز صانعيه بالتأسيس لدولة (ظل) أو دولة عائلية . دولة داخل دولة وكان السباق محتدم حول من يكسب اكثر ومن يحقق نفوذا وهيمنة أكبر وكان المواطن آخر اهتمامات (دولة الوحدة) المتآكلة من داخلها.
المواطن آخر اهتمامات دولة الوحدة اليمنية :
رفاهية المواطن والحفاظ على حياته وممتلكاته خط أحمر سيادي في الدول المتحضرة ممن تحظى فيها الإنسانية بامتيازات سيادية فالإنسان هو الأساس لقيام الدولة وهو الخط السيادي الأحمر ولأجله وللدفاع عن حياته وممتلكاته ورفاهيته تسخّر الدول كل قواتها ومواردها. ولكن الذي حصل في إطار الوحدة اليمنية هو سباق على السلطة والنفوذ وسىرقة المال العام انشغلت الطبقة الحاكمة واستأثرت بكل شيء وسخرته لصالح أسرها وحاشيتها والمقربين وبات المواطن آخر اهتماماتها إن لم يكن خارج المعادلة تماماً. سقطت هيبة المواطن اليمني والجنوبي داخلياً وخارجياً وبات لاقيمة له وأحياناً محل سخرية وازدراء خارجياً مجرد عامل اجير في الداخل والخارج وتفشت ظاهرة التسول. وتدريجيا انفصل المواطن عن السلطة الحاكمة التي احتكرت كل شيء لصالح ثلة محددة تمتعت بامتيازات مالية وطبقية خاصة، وباتت الدولة ومقوماتها مختزلة في أسر بعينها بعيدا عن الشعب . وبحسب محللين تستمد الدولة عظمتها من اهتمامها بشعبها والعكس صحيح، ولكن هذا المعيار سقط في ظل دولة الوحدة اليمنية وأصبح لاقيمة للمواطن في ظلها .
وحدة ضم وإلحاق ليست أخوية إطلاقا :
مارس الهالك عفاش سياسات قذرة ضد الجنوبيين صادر كل شيء في الجنوب من ممتلكات للدولة وحريات للمواطن ومارس سياسة الضم والإلحاق ضد الأرض والإنسان الجنوبي . وكما يقولون كثرة الضغط تولد انفجار وهذا ما حصل بالفعل انفجر الشارع الجنوبي وثار في وجه عفاش وصاح بأعلى صوت مطالباً باستعادة دولته جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ولايزال ثائرا حتى اللحظة.
في المقابل يعتقد الحوثيون بموقفهم المتشدد تجاه الوحدة في الوقت الراهن أن البلاد ستتوحد تحت سيطرتهم لكن لا يبدو أن لدى الجماعة استعداداً للتنازل أو تسليم ما بأيديهم مقابل هذه الوحدة أو القبول بشركاء سياسيين لا يخضعون لهم كلياً فالمناطق الشمالية بحد ذاتها مقسّمة بسبب أن الحوثيين لا يقبلون تقديم تنازلات لبقية الأطراف الشمالية الأخرى أو التعايش معها ، فكيف حال جماعة الحوثي مع الجنوبيين المختلفين عنها في الدين والهوية والثقافة وفي التاريخ الاجتماعي والسياسي وفي كل شيء فضلاً عن ذلك، فالحوثيون هم أحد الأسباب التي عزّزت القناعة لدى كثير من الجنوبيين بضرورة استعادة دولة الجنوب بحدود العام 1990م. حاليًا يرفض الجنوبيون أي حديث عن وحدة مع الشمال لكونه واقع تحت سلطة ميليشيات عنصرية لا تؤمن بالمواطنة المتساوية ومرفوضة من قبل قطاع واسع من الشماليين قبل الجنوبيين. لقد عزز النظام الطبقي السلالي (الحوثي) الذي اختزل السلطة في أسرة عبد الملك الحوثي وآل البيت (القناديل) فكرة استعادة الدولة لدى الجنوبيين الذي يرفضون العيش مجرد زنابيل لاقيمة لهم في حضرة آل البيت.
ختاماً .. يظل المواطن لاقيمة له في ظل السلطات المتعاقبة على مسمى الوحدة اليمنية في (صنعاء اليمنية) التي أسقطت هيبة الدولة في اليمن والجنوب وكان المواطن آخر اهتماماتها (فسقطت هي الأخرى). فكيف لها أن تنهض مجددًا وكيف للجنوب أن يرضى بالعودة في (زنبيل) إلى حضرة آل البيت في صنعاء بعد أن ذاق طعم الحرية والكرامة والمواطنة المتساوية في وطنه الجنوب في ظل الانتقالي الجنوبي (الجنوب لكل وبكل أبنائه).