ظلال قاتمة لتعاظم ديون أمريكا
كريترنيوز /متابعات
خلال شهر مارس الماضي، قال مدير هيئة الرقابة المالية المستقلة التابعة للكونغرس الأمريكي، فيليب سواجل، لصحيفة فايننشال تايمز، إن أمريكا تخاطر بتعرضها لصدمة سوقية مماثلة لما حدث مع ليز ترس؛ بسبب زيادة تراكم ديونها.
وكانت إشارته إلى الميزانية «المصغرة» التي أقرتها رئيسة الوزراء البريطانية السابقة في سبتمبر 2022 -التي أدّت إلى ارتفاع مفاجئ في عائدات السندات الحكومية البريطانية واضطرابات في الأسواق المالية- محاولة للتحذير من التقاعس، وليس تحذيراً من انهيار وشيك.
إن فيليب سواجل محق في دق ناقوس الخطر، لا سيما أن ديون أمريكا باتت على مسار غير محتمل، ويتوقع مكتب الميزانية التابع للكونغرس أن تتجاوز نسبة الدين الأمريكي إلى الناتج المحلي الإجمالي أعلى مستوى لها خلال الحرب العالمية الثانية لتصل إلى 106 % بحلول نهاية العقد الحالي، وستستمر في الارتفاع.
ومن المتوقع أن يبلغ متوسط العجز الإجمالي 5.5 % من الناتج المحلي الإجمالي حتى عام 2030 – وهو ما يزيد بنحو نقطتين مئويتين عن متوسط ما بعد عام 1940، كما من المتوقع أن يستمر صافي مدفوعات الفائدة، الذي يبلغ حالياً قرابة 3 % من الناتج المحلي الإجمالي، في الارتفاع.
والسياسة عامل يسهم في تفاقم الوضع، فرغم إدراك كل من الديمقراطيين والجمهوريين أهمية المسؤولية المالية على المستوى النظري، لكن كلاهما ليسا على استعداد لترشيد النفقات، خاصة في عام الانتخابات.
واقترح جو بايدن خطة موازنة بقيمة 7.3 تريليونات دولار لعام 2025، وتعهد منافسه الرئاسي، دونالد ترمب، باستئناف خفض الضرائب الذي صدر خلال فترة ولايته في البيت الأبيض، والذي قد يضيف نحو 5 تريليونات دولار أخرى إلى ديون البلاد، وفقاً للجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة، وهي هيئة رقابية مالية.
ويفرض تنامي الديون الأمريكية ضغوطاً تصاعدية على تكاليف الاقتراض الأطول أجلاً، ويمكن للسياسات المالية المتساهلة أن ترفع توقعات التضخم والمخاطر المتوقعة للاحتفاظ بالديون لفترات طويلة، مع الحاجة إلى استيعاب التدفق الكبير لإصدار سندات الدين من قبل مستثمرين أكثر حساسية للأسعار، خاصة مع انخراط بنك الاحتياطي الفيدرالي الآن في عمليات التشديد الكمي.
وتعزز العائدات المرتفعة تكاليف الاقتراض، وقد تقوّض النمو الاقتصادي، وثمّة قابلية متزايدة للتأثر بالتقلبات السريعة والمعوقة في أسواق السندات الأمريكية، ويخلف ذلك تداعيات تمتد إلى الائتمان والاستقرار المالي خارج البلاد كذلك؛ نظراً لأن سندات الخزانة الأمريكية تعمل كمعيار لتسعير الديون عالمياً.
وتشير أبحاث صندوق النقد الدولي إلى أن زيادة بمقدار نقطة مئوية واحدة في أسعار الفائدة الأمريكية أدت إلى زيادة قدرها 90 نقطة أساس في عائدات سندات الاقتصادات المتقدمة الأخرى.
وزيادة بمقدار نقطة مئوية واحدة في الأسواق الناشئة، وستسفر القيود المفروضة على النمو المحلي والعالمي عن تفاقم التحدي المتمثل في تقليص الدين.
فالثقل الاقتصادي يمنح أمريكا مرونة كبيرة، والدور الذي يلعبه الدولار كعملة احتياطية دولية يضمن طلباً مستمراً على ديون الولايات المتحدة، ويمكن بالفعل أن يسهم نمو الإنتاجية المدفوع بالذكاء الاصطناعي إلى تخفيف أزمة ديونها.
إلا أن النفوذ العالمي الذي تتمتع به البلاد قد يعزز شعوراً خطيراً بالرضا عن الذات بين ساستها، وتجاهل القرارات الصعبة المتخذة بشأن الضرائب والإنفاق اللازمة لوضع الدين في مسار مستدام يبقي الاقتصاد على مسار محفوف بالمخاطر وسط حالة من عدم اليقين السياسي والاقتصادي.
على سبيل المثال، قد يثير فوز ترامب بفترة رئاسية أخرى مخاوف كبيرة، وتثير التقارير التي تشير إلى أن فريقه يعكف على وضع مقترحات للحد من استقلال بنك الاحتياطي الفيدرالي قلقاً بالغاً بشأن كبح جماح التضخم، وتعتمد سوق السندات على الوضوح والثقة في سياسة الحكومة، وليس بوسعها أن تشهد بذلك.
ومن بين المخاطر أيضاً تفاقم عدم الاستقرار الجيوسياسي والمخاطر في الأسواق المالية، بداية من رأس المال الخاص إلى مشكلات تتعلق بالسيولة في سوق سندات الخزانة، ومن الممكن أن تؤدي الصدمات إلى تراجع النمو وإحداث ارتفاع حاد في العوائد، ما يزيد من تفاقم ديناميكيات الديون.
وفي النهاية، يحتاج صناع السياسات عاجلاً أو آجلاً إلى المشاركة في الجهود التي يبذلها الحزبان للتفكير بجدية في كيفية قيام أمريكا بتمويل نفسها بشكل يتسم بالمسؤولية، وإذا لم يحدث ذلك، فقد يضطرهم المتعاملون في سوق السندات المذعورين للقيام بذلك.
وكما قال كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي بيير أوليفييه غورنشا، الشهر الماضي: «لابد من تقديم بعض التنازلات».