بروز قوي للعمالقة الجدد في «وول ستريت»
كريترنيوز /منوعات
تشهد سوق الأوراق المالية حركة تداولات هائلة تصل قيمتها إلى تريليونات الدولارات يومياً. وقبل بضعة عقود، كانت عمليات البيع والشراء تتم في قاعات تداول صاخبة،.
حيث يتبادل الوسطاء الصياح بالأسعار لجمع المشترين والبائعين. لكن مع تبني البنوك للتكنولوجيا، تطورت آليات صناعة السوق لتصبح صناعة تنافسية ومربحة للغاية تعتمد على الحواسيب، وتجاوزت حدود القطاع المصرفي.
وقد أصبحت الفطنة والسرعة والتكنولوجيا عوامل أساسية لتحقيق التميز في هذا المجال. ونجحت مجموعة من المبتكرين في إتقان هذه العمليات، متفوقة بذلك على أكبر الأسماء في عالم البنوك.
واستفادت شركات تداول مستقلة، مثل «سيتاديل سيكيوريتيز» و«جين ستريت» و«ساسكيوهانا إنترناشونال غروب» و«إكس تي إكس ماركتس» و«دي آر دبليو»، من مزايا المعاملات الإلكترونية والخوارزميات لتداول مجموعة متنوعة من الأصول وصناعة سوقها بسرعة فائقة.
وقد تمكن هؤلاء الوسطاء الذين يعتمدون على التداول عالي التردد من الاستحواذ على حصة سوقية من بنوك استثمارية أقل ذكاءً، والتي أعطت الأولوية للصفقات الكبيرة على حساب التداولات ذات الهوامش المنخفضة.
فعلى سبيل المثال، تتولى «سيتاديل سيكيوريتيز» حوالي ربع إجمالي تداولات الأسهم الأمريكية. وفي العام الماضي، تداولت «جين ستريت» عقود خيارات بقيمة اسمية بلغت 32 تريليون دولار.
وتأسست الكثير من الشركات الناشئة في مطلع الألفية على أيدي متداولين مخضرمين، وازدهرت في أعقاب الأزمة المالية العالمية. وتتسم هذه الشركات بكونها انتقائية، وسرية، وثرية.
وأدى ولع «جين ستريت» بالألغاز إلى تخصصها في أصول مُعقدة، مثل الصناديق المتداولة في البورصة. وتخصصت «ساسكيوهانا» في عقود الخيارات، وظفرت «إكس تي إكس» بسوق الصرف الأجنبي، ما يُعزى جزئياً إلى استخدامها تعلم الآلة من أجل مسح تريليونات بيانات السوق.
أما نموذج «سيتاديل سيكيوريتيز»، فيركز على جمع بيانات تدفق الطلبات بحيث تجعل أسعارها أكثر تنافسية، فيما تنبع إيرادات «دي آر دبليو» في الأساس من اتجاهات التداولات بدلاً من صناعة السوق.
وصمم مبرمجون ذوو مهارات فائقة لهذه الشركات خوارزميات فريدة واستراتيجيات تداول خاصة بها، إلى جانب علماء رياضيات ومهندسين. وفي المقابل، كافأتهم هذه الشركات برواتب سخية.
ويمكن للراتب السنوي الأساسي (باستثناء المكافآت) للمتدربين لدى «جين ستريت» أن يتخطى راتب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ورئيس الوزراء البريطاني.
ويُعد نجاح هذه الشركات دليلاً على منافع «التدمير الخلاق». وفي حين منح كبار المقرضين في وول ستريت الأولوية للصفقات الكبيرة وقيّدتهم المتطلبات التنظيمية التي تلت الأزمة المالية.
فقد استفاد هؤلاء المتداولون من التداولات ذات الحجم الكبير وهوامش الربح الصغيرة، عن طريق الابتكار التكنولوجي. وأصبح الاستثمار حالياً أرخص كثيراً، بعدما كانت كبرى المصارف اعتادت على فرض رسوم باهظة لقاء المعاملات.
كذلك، فقد صارت السيولة العالمية عبر الأصول أكثر وفرة، مما يسهم في تعزيز أسواق رأس المال التجزئة والجملة. وتدفع المنافسة الجديدة، المصارف، إلى الابتكار والاستثمار في التكنولوجيا أيضًا.
ويعتقد بعض المحللين أن الشركات الرائدة الجديدة في مجال التداول تُعد أفضل حالاً في تولي أمور السوق مقارنة بالمصارف. وباعتبارها شركات خاصة، يشعر المؤسسون والموظفون بوخز الخسائر، ما يدعم ثقافة الحذر.
فعلى سبيل المثال، أعلنت «جين ستريت» احتفاظها بـ«سيولة احتياطية» قدرها نحو 15 % من رأس مال التداول، لمساعدتها في الاحتفاظ بالمراكز حتى عندما تعم الفوضى الأسواق.
وكلما نمت شركات التداول، كلما ازدادت أهميتها للنظام المالي. وسلّط «الانهيار المفاجئ» في عام 2010 للأسهم الأمريكية و«الارتفاع المفاجئ» لسندات الخزانة في عام 2014، اللذان فاقم كل منهما التداول ذا التردد العالي، الضوء على مخاطر تدفق مزيد من الأموال من خلال مؤسسات مالية غير مصرفية غامضة وأقل تنظيماً. ومنذ حينها، شهدت السوق الكثير من الهفوات الضئيلة، لكنها تظل مزعجة.
ستواجه ثقة السوق وسيولته تحديات جسيمة حال تعثر هذه المجموعة الجديدة من خوارزميات التداول. فاليوم، تعمل البنوك وشركات التداول غير المصرفية في شبكة معقدة ومتشابكة، وغالباً ما تجمع بينها علاقات متعددة كعملاء أو أطراف متقابلة أو حتى منافسين. لذا، بات تعزيز الإشراف على عمالقة وول ستريت الجدد أمراً منطقياً وضرورياً.