تداعيات وتزمين تشكيل تكتل بن دغر العفاشي
كتابة وتحليل: رندا العامري
إن محاولة تجميع أحزاب يمنية ومكونات من الشمال والجنوب تحت شعار الإصطفاف في مواجهة الحوثي وإسقاطه وإستعادة ما يسمونه الدولة اليمنية وعاصمتها صنعاء هو شعار ظلت هذه الأحزاب تردده منذ عاصفة الحزم في عام ٢٠١٥م وحتى اليوم، وبعد مضي ١٠ سنوات من التكرار الزائف لهذا الشعار ظلت هذه الأحزاب اليمنية المتوغلة في ألوية وقوات الجيش اليمني لا تحارب بنية حقيقية لدخول صنعاء فقد كانوا على مشارف صنعاء ومشارف الحديدة ومشارف صعدة إلاّ انهم لم يشاؤوا الدخول، بل اقنعوا دول التحالف والدول العظمى في مجلس الأمن بأن دخول صنعاء والمدن الكبرى سيكلف الكثير من الضحايا وهو تخويف هدفه أن تطول المعركة حتى يتم إرهاق السعودية والإمارات بسبب الخسائر المادية والعسكرية، وحتى لا تتهم هذه الأحزاب بانهم شاركوا بدخول قوات أجنبية إلى عاصمتهم صنعاء ويلعنهم التاريخ من وجهة نظرهم لإحتلال صنعاء، حصل مثل هذا السيناريو أيضاً في زمن الحرب بين الجمهوريين والملكيين في عام ١٩٦٧م برغم الحصار لصنعاء إلاّ انهم لم يدخلوها، وهذا ما يحصل الآن وعلى مدى ١٠ سنوات من الإستنزاف لإمكانيات التحالف…هذه خلفية تاريخية يجب أن لا تغيب عن بالنا.
أما حقيقة ظهور محاولات لإصطفاف الأحزاب اليمنية في كل مرحلة فقد تم تجريبها في أحزاب اللقاء المشترك اليمني ولم تستطع هذه الأحزاب فعل شيء على الأرض لإزاحة نظام علي عفاش بل ظلت تستخدم الأموال المرصودة لهذه الأحزاب بإعتبارها بموجب القانون أحزاب شرعية والتي اغلبها فرخها النظام نفسه، ولا تملك أعضاء كثر ولا قواعد شعبية وإنما ديكور لتزيين ديمقراطية النظام وبأنه يؤمن بالتعددية السياسية والحزبية.
ولم يسقط النظام إلاّ عندما اوعزت لهذه الأحزاب بتجميعها سفارات الغرب وفي مقدمتهم السفارة الامريكية، عندما جمعت كل هذه الدكاكين بما فيهم حركة أنصار الله الحوثية وصهرتم في بوتقة واحدة اسموها ثورة التغيير في فبراير ٢٠١١م كما سميت فيما بعد بثورة الربيع العربي، حتى تم إسقاط نظام علي عفاش …
وبعد إنقلاب الحوثي وعلي عفاش على مخرجات المبادرة الخليجية، عقد مؤتمر الحوار بصنعاء لتجميع هذه الأحزاب حتى تقطع الطريق على القضية الجنوبية ووأد أهداف الجنوبيين في تحقيق إستقلالهم…وكانت هذه هي المحاولة الثانية لتجميع الأحزاب اليمنية وتجييشها لقطع الطريق على إستعادة الدولة الجنوبية تحت شعار يمن إتحادي بموجب مخرجات مؤتمر الحوار اليمني عام ٢٠١٣م، وبعد أن فشل مؤتمر الحوار زحف الحوثي بمعية علي عفاش وسقطت صنعاء بيد الحوثي في ٢٠١٤م، وتم إعتقال عبدربه منصور هادي، حتى تمكن من الهروب من صنعاء واللجوء إلى عدن مما حذا بالحوثي وعفاش إلى غزو الجنوب بعد هروب عبدربه منصور إلى عدن لملاحقته وغزو عدن والجنوب ومن ثم هروبه إلى الخارج والاستقرار في السعودية..
وبعد عاصفة الحزم أيضاً استمرت الأحزاب اليمنية في التآمر على قضية الجنوب بعد أن تم تحريره من الغزو الحوثي- عفاشي في عام ٢٠١٥م فاقنعوا الأخوة السعوديين بعقد مؤتمر الرياض في ٢٠١٥م ..
وبعد أن فشلوا استمروا في الضغط على الطرف الجنوبي حتى للأسف تمت أحداث ٢٠١٨م و٢٠١٩م في عدن بين الجنوبيين مما اضطر التحالف إلى الضغط على الجنوبيين لتوقيع اتفاق الرياض في ٢٠١٩م.
ولم تيأس هذه الأحزاب بل ظلت تسعى إلى كبح طموح الجنوبيين في إستعادة الدولة الجنوبية فاقنعوا التحالف بضرورة تشكيل حكومة شراكة، واستطاعت الأحزاب اليمنية ان توجد عناصر أحزابها اليمنية بأخذ نصيبها في قسمة الشمال ثم أخذ نصيبها الآخر من نصيب الجنوب حيث أصبح الوزراء ينتمون حزبياً إلى أحزاب المشترك اليمني سواء في قسمة الشمال ام من قسمة الجنوب..
ورغم كل هذا من شراكة أو غيرها إلاّ أن الأحزاب اليمنية ظلت تشتغل في الدوائر الغربية وإقناع هذه الدول في كل مرحلة بإعادة تموضع هذه الأحزاب تحت شعارات جديدة.
ولهذا جاء هذا التحالف الجديد في توقيته إستغلالاً لما يجري في البحر الأحمر من إستهداف للسفن الإسرائيلية وسفن الدول المؤيدة للعدوان الصهيوني على غزة، حيث التقطت الأحزاب اليمنية هذه اللحظة والفرصة بعد أن فشلوا طوال ١٠ سنوات أن يكون لهم اي تأثير في أرض الواقع أو أن تتمكن حتى بتحرير مديرية واحدة من يد الحوثي بل لم تستطع حتى إخراج ولو مظاهرة واحدة في صنعاء ضد الحوثي..
فاستغلوا هذه اللحظة واقنعوا الامريكان بأن إسقاط نظام الحوثي يمر عبر توحيد كل الأحزاب والمكونات شمالاً وجنوباً وصهرها في تكتل واحد …واستغلوا غضب الامريكان والغرب مما يجري في البحر الأحمر وكذلك للتجييش ضد إيران بإعتبارها هي من تقف خلف الحوثي، بينما حقيقة ما ترمي إليه هذه الأحزاب اليمنية هو إبقاء هيمنتها على المشهد السياسي داخلياً وخارجياً وإعتبارها هي من تمثل الدولة والشرعية، بالرغم إنه لا وجود لها على الأرض إلاّ أن الغرب لا يهمه إن كان لها وجود ام لا، كل ما يهمه استخدامها كواجهة في تنفيذ مشاريعهم وأهدافهم في الإقليم ..
بينما أهداف هذه الأحزاب اليمنية المأجورة أن تقوم بوأد القضية الجنوبية وأن تتخذ من أرض الجنوب ساحة لنشاطها والتوسع فيه وبطريقة شرعية وتحت مظلة امريكية مما يشكل خطراً حقيقياً ليس على القضية الجنوبية فقط بل على مستقبل وتواجد ونشاط المجلس الإنتقالي وتحجيمه بعد أن أعطى فرص لهذه الأحزاب بتقديم تنازلات لها لإستئناف نشاطها في الجنوب وفتح مكاتبهم والشروع في كسب أنصار لها في الساحة الجنوبية كما هو حاصل مع مكون طارق عفاش حيث تم السماح له بفتح مكتب لمكونه وكذلك فتح مكتب لقناته الجمهورية، وبقية الأحزاب ستسلك نفس السلوك.
إن استمرار هذا المسلك سيخلق إرتباك في الشارع الجنوبي وسينظر الجنوبيين للمجلس الإنتقالي أنه مشارك في هذا السلوك إذ ان شعب الجنوب فوضه لإستعادة دولته وليس للسماح لأحزاب يمنية تحمل مشروعاً آخر مغاير لأهداف المجلس الإنتقالي المعلنة وآخرها الميثاق الوطني الجنوبي الذي تمخض عن إجماع مكونات الإستقلال الجنوبي في اللقاء التشاوري المنعقد في العاصمة عدن في ٤ مايو ٢٠٢٣م.
إن المجلس الإنتقالي والجنوب يمروا بمنعطف تاريخي خطير سيحدد مستقبل الجنوب بل إن المجلس الإنتقالي ودوره الطليعي أصبح في خطر محدق إذا لم يتخذ موقفاً حاسماً من هذه الأحزاب والمكونات اليمنية التي شاركت في غزو الجنوب الأول في حرب ١٩٩٤م وفي غزو الجنوب الثاني في حرب ٢٠١٥م، ولازالت تسعى ليلاً ونهاراً لفرض مشروعها الوحدوي ومشروعيتها الإستعمارية تحت مسميات مختلفة وآخرها اليمن الإتحادي، هذه الأحزاب اليمنية هي جزء أصيل من منظومة الإحتلال اليمني وستظل تبيع الوهم بإقناع دول الإقليم والدول العظمى بأن الوحدة اليمنية هي المستقبل الآمن للمنطقة والعالم.
إذا لم يتخذ المجلس الإنتقالي مواقف حاسمة منذ الآن فستكون أي مواقف أخرى متأخرة لا قيمة لها وإن ما يسمى بتأجيل القضية الجنوبية إلى الحل النهائي هو إعدام للقضية، فيومها ستكون الأحزاب اليمنية قد نخرت الجنوب شعبياً وأرهقته اقتصادياً وتم تغييره ديموغرافياً، ويومها ستكون قد بنت لها قوات يمنية مسلحة لقمع الجنوبيين وإخضاعهم بقوة الحديد والنار.. وشن حرب ثالثة على غرار حروب عامي (1994م) و(2015م) بذريعة الحفاظ على الوحدة اليمنية وتحت راية الوحدة أو الموت.