جدلية الكتابة والنشر.. مَن يحملُ مَن؟
كريترنيوز/ متابعات /جمال الصايغ/دمشق
مشكلات النشر، العقود مع المؤلفين والالتزام بها، التهرب من حقوق المؤلف، وبالمقابل: معاناة الناشر المستقل من الكلفة الباهظة للطباعة، قرصنة الكتب، وتراجع القراءة بشكل عام.
إنه غيض من فيض مجموع ما يواجه طرفي المعادلة الجدلية بين الناشر والمؤلف في سوريا والوطن العربي بالمجمل، إلى حد ما. وفي غياب جهة معنية بفض المنازعات بين القطبين، تبقى المسألة عائمة بانتظار ظروف أفضل، اقتصادياً ومجتمعياً وحتى سياسياً، تعود بها إلى وضعها الطبيعي، خاصة في ظل تراشق الجانبين الاتهامات بتحمل المسؤولية.
«البيان» استطلعت عدداً من الآراء حول علاقة الناشر بالمؤلف، ووضع دور النشر في ظل الظروف الراهنة، لترصد وجهتي نظر تمثلان طرفي المعادلة، وهما: هيثم الحافظ رئيس اتحاد الناشرين السوريين، والروائي خليل صويلح، الذي ترشحت إحدى رواياته لجائزة البوكر.
قال خليل صويلح: «على الأرجح، فإن مشكلات النشر في العالم العربي لا تتوقف عند دكاكين النشر وحسب، وإنما تطال دور نشر معروفة، لجهة العقود مع المؤلفين، وعدم الالتزام بالبنود الواردة في هذه العقود، والتهرب من حقوق المؤلف»..
هكذا استهل خليل صويلح توصيفه الظاهرة – الإشكالية. وتابع: «وهذا يتبدى خصوصاً بما يتعلق بالنسخ الإلكترونية والكتب الصوتية، وحقوق الترجمة.
وفي المقابل يعاني الناشر المستقل من الكلفة الباهظة لسعر الورق والأحبار والشحن، وسيف الرقابة، ومنع التداول، وقرصنة الكتب إلكترونياً وورقياً، وتراجع القراءة للكتب الجديّة لمصلحة كتب التسلية والتنمية البشرية، أو أوشو، وباولو كويلو، وسواهما».
ويتابع صويلح: «بالطبع، لن نتناول وضع المؤلف الذي لا يقارن بزميله في الغرب كي يعيش من إيرادات كتبه، فأقصى ما يحلم به المؤلف في العالم العربي أن يعلمه الناشر أن طبعة الألف نسخة قد نفدت، ولو بعد 5 سنوات، وسيشعر بغبطة كبيرة، وهو يرى قارئاً استل نسخة من كتابه والتقط صورة للغلاف ووضعها على مواقع التواصل».
ويستطرد خليل صويلح: «اليوم تكتفي معظم دور النشر بطباعة 500 نسخة لا أكثر، ذلك أن القارئ المتوهم مشغول بطوابير الخبز وأسطوانات الغاز والمواد التموينية، فلا هاروكي موراكامي عربياً، كي نشهد الطوابير أمام المكتبات للحصول على نسخة من رواية جديدة له.
فالروائي العربي ضيف على طرف المائدة، لحظة اقتسام الغنائم، بالكاد يجد ما يؤكل في طبقه، مكتفياً بمجد نشر كتابه، والحصول على حفنة نسخ مجانية، قبل أن يلجأ إلى شراء نسخ إضافية كهدايا لأصدقائه».
ويستفيض الروائي السوري: «في المحصلة «هناك ناشر، وهناك ناشل!»، عبارة تختزل المسافة الشاسعة بين الذي يعمل على تصدير المعرفة والتنوير، بوصفه مؤسسة ثقافية رصينة، وبين من يعمل في العتمة، ذلك الذي ينشل محفظة نقودك بخفّة يد ورشاقة، أو بحسب المعجم «نشَلَ اللحمَ من القِدْر، ونشَلَ الخاتَمَ من يده»».
يشخص هيثم الحافظ واقع المسألة، ويفند الكثير من الاتهامات بحق الناشرين: «لكل ناشر رسالة، ثقافية بالدرجة الأولى، وهي الأهم، فمن يريد العمل التجاري فقط دون أن يكون لديه هاجس الثقافة يمكنه أن يتجه إلى أعمال أخرى، كالعقارات، والاستيراد والتصدير، وغير ذلك. وبالنسبة لنا – نحن الناشرين – فالعمل التجاري هو المرحلة الثانية، ويبقى الجانب الفكري أولاً».
وفيما يتعلق بمحددات النشر، يقول الحافظ: «أؤكد هنا نقطة مهمة جداً، عندما يكون الكتاب غير مرغوب، فذلك يعني أنه غير مجدٍ، وهنا الناشر يعمل خارج نطاق خدمة الثقافة، التي تتطلب أعمالاً ليست تجارية بالمعنى العام.
لكن يجب أن تكون مطلوبة، عند ذلك يحقق طرفي المعادلة؛ كتاب مرغوب، وكذلك المردود المالي؛ وبالتالي فإن الأمرين لا يتعارضان؛ إذ إن الكتاب الجيد والمهم لا بد وأن يحقق مردوداً مادياً».
ويواصل الحافظ: «بالمقابل هناك كتاب مهم للمجتمع، لكن لا يُنتظر منه ربح مادي، ومن أجل ذلك هناك جهات رسمية تقوم بنشر مثل هذه الكتب، مثل اتحاد الكتاب، ووزارة الثقافة، ووزارة التربية، والتعليم العالي. واليوم وزارة الثقافة ممثلة بالهيئة العامة السورية للكتاب تقوم بنشر كتب ليس هدفها الربح بالمطلق، وإنما تقديمها بأقل التكاليف للقارئ».
وتابع الحافظ: «نحن اليوم في سوريا، أو الوطن العربي وحتى بالنسبة للناشرين في العالم، نعمل في إطار تراخيص تجارية، فلا يمكن أن يكون هناك ناشر في سوريا مثلاً دون أن يمتلك سجلاً تجارياً، فالجانب التجاري ضروري لنجاح مهمة الناشر الثقافية، ولاستمرار دار النشر التي تحتاج إلى التمويل، ومن ثم استمرارية هذه الصناعة».
ويعرّج الحافظ على واقع النشر في سوريا ومنغصاته، من قبيل تأثر القطاع بالواقع الاقتصادي للمنطقة، وحتى بالواقع الاجتماعي، والتطورات السياسية فيها، قائلاً:
«ما يواجه الناشر أكبر مما نتصور، سيما عندما نتحدث عن أزمة الصناعة، والمواصلات، وصعوبة السفر، وحركة الطيران والشحن، لكننا نحاول التغلب عليها بطريقة أو بأخرى، للوصول لرؤية جديدة لصناعة النشر ورفع سوية العمل، وبالمحصلة فإن هدفنا – نحن الناشرين – التفاعل مع متطلبات المجتمع، ومع الرسالة التي نحملها».