جبت شوارع المدينة كعجوز فقد عكَّازه ..
قصة : حمدة سنيد
جبتُ شوارع المدينة كعجوز فقدَ عُكَّازه، أخذتُ أترنَّحُ في الطُرقاتِ استرق النظر إلى وجوهِ الأنام المحيطة حولي بحثاً عن عُكَّازي! جَعلت أصواتهم تخترقُ طبلةَ أُذنَيَّ، ذاك يُنادي لبضاعةٍ يبيعها وآخر يعرضُ أمامه أصنافا من الطعام الشهي التي تغزو رائحته الأنف، وهناك أطفال يلعبون أعادتني ضحكاتهم إلى عالم الطفولة الذي غادرته منذ أن أسدلوا عليَّ الحجاب وأخبروني أنني امرأة، قيدوني بقوانين لا صحة لها البتة! رسَّخوا بفكري أن للمرأة ثلاثا : الطبخ وبيت زوجها والقبر؛ وأنها كائنٌ بِهِ كُل العيب وهم الملوك حقا.
ضحكتُ ملئ شدقي تذكرت أنني هُنا أبحث عن عُكَّازي الذي فقدته وهو لا يزال على قيد الحياة ؛ فكل الوجوه تُشيرُ إليهِ عَدَاهُ!
أنشدتهُ شِعراً أنعيهُ بِهِ ومنذ متى يُرثى الحيُّ قبل موته؟! خانتني الأحرف فقتلتها، وأحييتها على الورق؛ أخبرتها أنني ربُّها الأعلى… أجابتني أن هذا كُفراً؛ فقلت وأنا أشهرُ بالقلمِ أمامها أضغاث كلماتٍ عزيزتي وأنتِ هُنا من نَسجي أنا.
أنا أحييكِ وأُميتكِ، أنا من جعلتُ لكِ معنى… فقتلتها وليت شعري هل يعود عكَّازي؟
أنا أترنحُ بدونهِ وأشتاقه والأحرف لا تنصفني!
أنا مجرد كاتب يعبث بالأحرف ويترأسها، يحتضنها ويقبِّلها؛ لأنها صديقه الأزلي يُبكِيها؛ فتُبكيهِ. رفعت رأسي للسماء وإذا بها قد تَعرَّت من السُحبِ وسَلَّطتِ الشمس أشعتها عليَّ؛ فسقطت وسط قلبك أحرفي.