طريق الشرق الأوسط إلى سلام حقيقي

كتب: منى أحمد
الإرهاب بأشكاله المختلفة، خاصة ذلك الذي يتخفى تحت مسميات منمقة، عقبة أمام استقرار الشرق الأوسط. ولا يمكن بأي حال من الأحوال التعامل معه كطرف شرعي عبر التفاوض أو فرض شروط وقوانين لن يمتثل لها أبدًا. فالتجارب التاريخية أثبتت أن التنظيمات الإرهابية، مهما حاولت أن تبدو كحركات سياسية أو مقاومة، لا تؤمن إلا بلغة العنف وفرض الأيديولوجيا بالقوة.
إن أرادت دول الشرق الأوسط تحقيق سلام حقيقي، فعليها أولًا الاعتراف بأن هذه الجماعات تشكل تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي وللسلم الداخلي قبل أن تكون خطرًا على الإقليم أو المصالح الدولية. القضاء عليها لا يكون بالاحتواء أو التفاوض، بل بالمواجهة الحاسمة. لا بد من محاربتها بلا هوادة، وتجفيف منابع تمويلها، وتقديم أعضائها ومؤسسيها إلى العدالة دون تهاون، لأن التراخي أمام الإرهاب يعني استمراره وتوغله في مفاصل الدولة والمجتمع.
لكن الحرب ضد الإرهاب لا تقتصر على الحلول الأمنية فقط، بل يجب أن تكون جزءًا من مشروع شامل للإصلاح. فالإرهاب في جوهره ليس مجرد مجموعة مسلحة، بل هو فكر يتغذى على بيئة حاضنة. وهنا يأتي الدور الحاسم في تفكيك جذوره الفكرية، عبر إعادة هيكلة المناهج التعليمية لتكون قائمة على العلم النافع، وتعزيز ثقافة النقد والبحث والتفكير المستقل، بدلًا من ترسيخ الخطاب الدوغمائي الذي يُستخدم لتجنيد العقول الضعيفة.
أحد أكبر الأخطاء التي وقعت فيها العديد من دول المنطقة هو السماح للإسلام السياسي بالتمدد في مؤسسات الدولة، ما جعل الدين يُستغل لأغراض سياسية وحزبية. والخلاص من هذه الظاهرة لا يكون إلا بفصل الدين عن الحكم، وضمان أن تظل الدولة مدنية قائمة على القانون والمواطنة، لا على الانتماءات الدينية أو الطائفية. هذا لا يعني محاربة الدين، بل على العكس، يعني توفير بيئة تضمن حرية المعتقد للجميع، تحت مظلة دولة تحمي حق التعايش، وتفرض قواعد صارمة ضد أي خطاب كراهية أو تحريض.
ولكن مسؤولية مواجهة الإرهاب والفكر المتطرف لا تقع على عاتق الحكومات وحدها، بل على الشعوب أيضًا. فعلى المجتمعات أن تتعاون مع دولها، وأن تدرك أن سيادة القانون الذي لا يميز بين دين أو لون أو قبيلة هو الضامن الوحيد للخلاص من هذه التنظيمات. فهذه الجماعات، رغم ادعائها الدفاع عن قضايا معينة، لا تعرف من مسماها سوى عكسه، إذ تقوم على التفرقة والتدمير وتقويض أسس الدولة والمجتمع. إن وعي الشعوب بخطورة هذه الأيديولوجيات ورفضها للفكر المتطرف هو حجر الأساس في بناء شرق أوسط مستقر ومتقدم.
وفي هذا السياق، لا بد للجامعة العربية أن تتحمل مسؤوليتها في توحيد موقفها أمام هذه المنظمات الإرهابية. لم يعد مقبولًا أن تبقى الدول العربية متفرقة أو متهاونة، فتفتح بذلك الباب أمام المجتمع الدولي لفرض أجنداته عليها. لن يُؤخذ العرب بجدية إلا إذا أظهروا إصرارهم على التخلص من هذه الحركات المزيفة التي تتستر بالدين لتحقيق أهدافها التخريبية.
كما أن المجتمع الدولي، تحت مظلة الأمم المتحدة، غالبًا ما يفرض التفاوض مع هذه الجماعات بحجة الإنسانية وحقوق الإنسان، وهو ما تستغله التنظيمات الإرهابية للتلاعب بالقوانين الدولية والاستمرار في نشاطها المدمر. لذلك، على الدول العربية أن ترسم خطوطًا حمراء واضحة، لا تسمح للإرهاب بتجاوزها تحت أي مسمى، وألا تترك أي مجال للضغوط الخارجية التي تحاول فرض حلول وسط مع من لا يعرفون سوى لغة العنف والدمار.
السلام الحقيقي لن يكون مجرد اتفاقيات سياسية، بل هو مشروع طويل الأمد يتطلب إعادة بناء المجتمعات على أسس من التنمية والتنافس الشريف، حيث يكون الاهتمام منصبًا على الاقتصاد والتعليم والبحث العلمي بدلًا من الصراعات الأيديولوجية والدينية. بهذه الطريقة، يمكن للشرق الأوسط أن يعالج أزماته الداخلية والإقليمية بفعالية، بعيدًا عن خطر الجماعات التي تعرقل أي فرصة للسلام والاستقرار.
لا حلول مع الإرهاب، لا تعايش مع الإسلام السياسي، لا مستقبل دون العلم والحرية والتنمية، ولا استقرار دون وعي الشعوب وتعاونها في بناء دولة القانون، ولا هيبة للعالم العربي دون موقف موحد يرفض التلاعب الدولي بملف الإرهاب.