نزوح ودمار في المدينة ومخيمها.. إسرائيل تستبيح جنين

كريترنيوز /متابعات /محمد الرنتيسي/رام الله
كل شيء في مدينة جنين ومخيمها، بات في متناول القبضة الفولاذية الإسرائيلية المنفلتة، وفي صباحات الاجتياح اليومية يطل الأطفال والأمهات الذين يعيشون تحت وطأة حصار جائر، على الشوارع المدمرة والخالية إلا من الآليات العسكرية، من وراء النوافذ، فيما يجتهد الآباء لتحسين ظروف اعتقالهم داخل السجون الكبيرة وغير الآمنة. تبدو مهمة الأهالي في جنين، شبه مستحيلة، فهي وفق تعبيرهم تحتاج إلى أعصاب باردة، فالجيش الإسرائيلي لا يفارق الأحياء والأزقة، ويفرض العقوبات الجماعية على نحو 20 ألف فلسطيني، عقوبات تفوح منها رائحة الدمار والخراب، وتحوّل المنازل والممتلكات إلى حطام.
«يتنقل الجنود المدججون بالأسلحة والبلطجية، من بيت إلى آخر، ويعتلون أسطح البنايات، أما نحن فسجناء في بيوتنا، ولا يخرج أحد إلا إذا طلب منه إخلاء منزله».. هكذا لخص عزمي أبو صبيح ما يجري في مخيم جنين، مبيناً أن موجات النزوح في تصاعد.
وأضاف لـ«البيان»: «أصبح مخيم جنين معزولاً عن محيطه، بعد إغلاق جميع مداخله، وحتى الطرق الفرعية التي كان ينفد منها السكان أغلقوها بالكتل الإسمنتية، ومن يغامر بالخروج من منزله، يقع فريسة للضرب والتنكيل، والإخضاع للتحقيق، وربما ينتهي به الأمر إلى الاعتقال».
ويبدو أن جدول العقوبات بحق أهالي مخيم جنين أصبح مفتوح المدى، السكان في طريق نزوحهم يتفقدون الدمار، وأيديهم على قلوبهم من تكرار ما جرى في غزة، بينما القلة القليلة ممن ظلوا في المخيم، تحولت منازلهم إلى سجون غير آمنة، فالرصاص ينهال عليهم بشكل عشوائي.
يرقب محمود تركمان حطام البيت الذي تربى فيه، قبل أن يتهاوى بفعل القذائف الإسرائيلية التي استهدفته، واصفاً الدمار في المخيم بأنه غير مسبوق. ويقول وقد غاصت قدماه في الوحل: «ما تركوا لنا شيئاً .. هدموا المخيم»، مشيراً إلى أن أصوات نسف المنازل تُسمع على مدار الساعة، فيما المشاهد من قلب المخيم تبدو صادمة، فلا يُرى إلا الآليات العسكرية الثقيلة، والسواتر الترابية، والأسلاك الشائكة، وثمة محال تاريخية قديمة سويت بالأرض.
وعبثاً حاول تركمان العودة إلى منزله، عله ينتشل بعض الأغطية أو ما يلزم لحياة النزوح، لكن عيون الجنود كانت بالمرصاد، وبنادقهم مصوبة نحو كل من يحاول العودة.
حول العشرات العودة إلى منازلهم بالفعل، وكان من بينهم وليد لحلوح (73) عاماً، الذي خرج لتفقد منزله في مخيم جنين، ومعرفة إذا ما ظل واقفاً أم لا، لكنه عاد مضرجاً بدمه، إذ قتله الجنود على بعد أمتار من منزله، وفق ابنته سما.
أوضاع صعبة
ويواجه سكان مخيم جنين، أحوالاً صعبة، في ظل انقطاع المياه والكهرباء، والحصار المطبق الذي يحول دون دخول أدنى مقومات الحياة. ووفق تركمان فإن الأهالي يفتقرون لمياه الشرب والغذاء والأدوية وحليب الأطفال، والعالقين منهم على أطراف المخيم، لا يستطيعون العودة أو الخروج. أيام ثقيلة الوطأة تمر على مخيم جنين، لا حول للسكان فيها ولا قوة، منهم من نزح، ومنهم من ينتظر، وسط حالة من الرعب يتعمد الجنود الإسرائيليون بثها، لإجبار السكان على ترك منازلهم، ويزيد من مخاوفهم ما يروج له قادة عسكريون إسرائيليون، نية جيشهم البقاء في المخيم فترة طويلة، ويدلل على ذلك، الدفع بكتيبة إضافية على دراية تامة بمخيم جنين.