دولية

3 أعوام على حرب أوكرانيا .. من أبرز الرابحين والخاسرين؟

كريترنيوز/ متابعات /محمد خالد/القاهرة

أوجدت الحرب في أوكرانيا، التي أوشكت على إنهاء عامها الثالث، متغيرات جذرية على صعد عدة، مخلفة أضراراً واسعة تجاوزت حدود منطقة الصراع الرئيسية، وشكلت تحدياً هائلاً يفاقم أزمات عدد من دول العالم، لا سيما البلدان الناشئة التي ترزح تحت وطأة ضغوطات متزامنة أضافت إليها الحرب أبعاداً جديدة بصبغة عالمية،.

فمن اضطرابات سلاسل الإمداد وارتفاع تكاليف الطاقة والغذاء إلى زيادة الضغوط التضخمية التي أثقلت كاهل الاقتصادات الهشة، أصبحت آثار الحرب أشبه بموجات ارتدادية لم تترك دولة بمنأى عن تداعياتها.

وعلى الجانب الآخر، ثمة مستفيدون من تداعيات الصراع، لا سيما البلدان التي استطاعت تحقيق مكاسب اقتصادية من تغيرات خرائط سوق الطاقة العالمية. ولم تترك العقوبات المفروضة على روسيا أوروبا في موقف صعب فحسب، بل فتحت أيضاً المجال أمام قوى أخرى لإعادة التموضع والاستفادة من الفجوات الناتجة عن إعادة تشكيل التدفقات التجارية.

وبينما تجد دول الاتحاد الأوروبي نفسها مكبلة بأزمة طاقة متجددة نتيجة الاعتماد المفرط السابق على الغاز الروسي، تمكنت دول أخرى، مثل الولايات المتحدة وقطر والنرويج، من زيادة صادراتها من الغاز الطبيعي المسال، ما منحها نفوذاً استراتيجياً أكبر في معادلات الطاقة الدولية.

ولم تقتصر انعكاسات الحرب على المجال الاقتصادي، بل امتدت إلى ميدان السياسة، حيث أعيدت صياغة التوازنات الدولية بشكل متسارع، فمن تحالفات جديدة نشأت بفعل المصالح المشتركة إلى تصدعات أصابت شراكات تاريخية بسبب اختلاف الأولويات، أصبح المشهد الجيوسياسي أكثر سيولة وتعقيداً.

وبينما عززت بعض الدول مواقعها من خلال سياسات براغماتية تستغل التحولات الراهنة، وجدت أخرى نفسها في مأزق استراتيجي تحاول التكيف معه وسط متغيرات لا تزال في طور التشكل.

أزمة أوروبا

ويقول رئيس وكالة تنمية التجارة الدولية بموسكو، تيمور دويدار لـ«البيان»: إن دول الاتحاد الأوروبي تتجه إلى خفض الطلب على الغاز بشكل مصطنع على حساب اقتصاداتها.

وقد أدت سياسات الاتحاد إلى تراجع استهلاك الغاز وإغلاق الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، ما دفع بعض مرافق الإنتاج إلى الانتقال لمناطق أخرى، في حين من المتوقع أن يستمر انخفاض استهلاك الغاز في أوروبا، لكن معدل الانخفاض سيعتمد على القرارات السياسية الأوروبية.

ويشير دويدار إلى أن أوروبا تحتاج إلى تعويض نحو 175 مليار متر مكعب سنوياً، وهي الكميات التي كانت تستوردها سابقاً عبر الغاز الروسي، لافتاً إلى أن أوروبا تمكنت من تعويض جزء عبر واردات الغاز المسال وخطوط الأنابيب البديلة من النرويج ومصادر أخرى.

ووفق بيانات مركز الأبحاث الأوروبي Bruegel، فإن النرويج تصدرت قائمة موردي الغاز الطبيعي المسال لأوروبا، تليها روسيا في المرتبة الثانية متخطية الولايات المتحدة، بحجم واردات روسية 21.5 مليار متر مكعب.

ويعتقد دويدار أن الولايات المتحدة من أبرز المستفيدين من الحرب في أوكرانيا، لافتاً إلى توقيع الرئيس دونالد ترامب أمراً تنفيذياً لاستئناف التنقيب عن النفط والغاز في مناطق كانت مجمدة سابقاً في عهد سلفه جو بايدن، مثل خليج المكسيك.

وبهذه الخطوة ستتصدر الولايات المتحدة قائمة الدول المنتجة للطاقة عالمياً. وأوضح دويدار أنه من الصعب تحديد من هو الخاسر أو الرابح بشكل قاطع، لكن من المحتمل أن نشهد تقارباً مستقبلياً بين الولايات المتحدة وروسيا، ما قد يسهم في إعادة التوازن لسوق الطاقة العالمية.

معضلات سياسية

وبعيداً عن حسابات الاقتصاد، ثمة بعد سياسي يتجلى في مكاسب وخسائر أطراف الصراع، فبينما استطاعت الولايات المتحدة استثمار الحرب لتعزيز نفوذها في مجال الطاقة على حساب روسيا، فإنها في الوقت ذاته تواجه معضلة الحفاظ على تماسك التحالف الغربي، وسط تباين متزايد في الأولويات بين واشنطن وشركائها الأوروبيين، الذين يعانون من وطأة أزمة الطاقة والركود الاقتصادي.

في المقابل، وجدت روسيا نفسها في معركة مزدوجة، بين إدارة تكاليف الحرب من جهة، وإعادة توجيه صادراتها لتعويض فقدان السوق الأوروبية من جهة أخرى، وهو ما فرض تحولات جيوسياسية عميقة انعكست على خريطة التحالفات الدولية.

رابحون وخاسرون

ويحدد الأستاذ بكلية موسكو العليا، رامي القليوبي، أبرز الرابحين والخاسرين الرئيسيين من الحرب في أوكرانيا، موضحاً أنه على الصعيدين السياسي والاقتصادي يمكن النظر إلى كل من الولايات المتحدة والصين والهند، باعتبارها من بين أهم الرابحين، لا سيما وأن تلك الدول تقع بعيداً عن مسرح أحداث القتال، ما يجعلها مستفيدة إلى حد كبير. ويضيف القليوبي لـ«البيان»:

«تعد كل من روسيا وأوكرانيا على رأس الخاسرين، وكذلك أوروبا التي تأثرت سلباً بسبب قربها الجغرافي من الصراع واعتمادها السابق، الذي لا يزال مستمراً، إلى حد كبير، على الطاقة الروسية».

زر الذهاب إلى الأعلى