مقالات وآراء

هضم حقوق المعلمين وتأثيره على أدائهم

كتب: عيشة صالح

في كل مجتمع يسعى إلى النهوض والازدهار، يُعد المعلم حجر الزاوية في بناء الأجيال وصناعة المستقبل. فهو ليس مجرد ناقل للمعرفة، بل مُربٍ، وموجه، ومُلهم، ومسؤول عن ترسيخ القيم وتنمية العقول. ومع ذلك، يعاني كثير من المعلمين – خاصة في مجتمعاتنا العربية – من هضمٍ واضح لحقوقهم، الأمر الذي ينعكس سلباً على أدائهم، ويهدد المنظومة التعليمية بأكملها.

يتمثل هضم حقوق المعلمين في مظاهر متعددة، أبرزها تدني الرواتب مقارنة بجهودهم الجبارة، وانعدام الحوافز المادية والمعنوية، وغياب بيئة العمل الآمنة والداعمة.

كما يعاني المعلم من نقص التدريب والتأهيل المستمر، ومن تدخلات إدارية تعوق أداءه وتحد من استقلاليته المهنية. وفي بعض الأحيان، يُساء إليه لفظيًا أو جسديًا من قبل طلاب أو أولياء أمور، دون وجود حماية قانونية كافية.

ينعكس هضم الحقوق على الحالة النفسية للمعلم، إذ يشعر بالإحباط واللاجدوى، ويتولد لديه إحساس بعدم التقدير المجتمعي، ما يفقده الحماسة والإخلاص في أداء رسالته. ويؤدي ذلك تدريجيًا إلى انخفاض جودة التعليم، وتراجع مستوى التحصيل لدى الطلاب، نتيجة غياب الدافع لدى المعلم لتطوير أدواته وأساليبه التعليمية.

إن استمرار انتهاك حقوق المعلمين أدى إلى تآكل مكانتهم الاجتماعية، حيث لم يعد يُنظر إلى المعلم كرمز للعلم والاحترام كما كان في الماضي.
وهذا الانحدار في الصورة المجتمعية يُفقد المهنة جاذبيتها، ويجعل كثيرًا من الكفاءات الشابة تنأى بنفسها عن هذا الطريق.

إن العدالة للمعلم ليست رفاهية، بل ضرورة وطنية. ينبغي على الحكومات والمؤسسات التعليمية العمل على تحسين رواتب المعلمين، وتوفير بيئة عمل آمنة، وتمكينهم من فرص التدريب والتطوير المهني المستمر. كما يجب تعزيز القوانين التي تحميهم من الإساءات، وتفعيل دور النقابات في الدفاع عن حقوقهم.

المعلم هو البذرة التي تُثمر حضارة. فإذا ما جففنا منبعه بالظلم والتهميش، جفّت معه جذور المعرفة والتقدم. إنصاف المعلم هو بداية الطريق نحو نهضة حقيقية، ولا يمكن الحديث عن جودة التعليم دون أن نضع حقوق المعلم في مقدمة الأولويات.

زر الذهاب إلى الأعلى