مقالات وآراء

البراءة والخبث في سروال واحد

كتب /علي محمد سيقلي

في زوايا المشهد الجنوبي المزدحم بالحب والصدق والنوايا الطيبة (على نياتكم تُرزقون)، تجد فجأة كائناً مخمليّاً، لسانه معسول أكثر من عسل جردان، وكلامه يقطر وطنيةً تُبكي القنوات الفضائية، لكن قلبه، يا ويلي ويلاه بصوت فهد بن جعموم.
ويحق لنا أن نسميه ب”سفير النوايا الوسخة” قلبه ورشة تجسس متحركة، مزوّدة بأحدث تقنيات “الدسيسة الناعمة” والمكر كامل الدسم.

هذا النوع لا يرفع صوته، لا يخاصم، ولا حتى يتثاءب علناً، لكنه يمارس دور “السفير المتخفي” الذي يتحدث باسم الجنوب أكثر من الجنوبيين أنفسهم، حتى يخيل إليك أنه كان يرضع النشيد الوطني الجنوبي مع حليب النيدو.

ولكن ما إن تدقق في إشاراته، تقرأ بين تغريداته، أو تفك شفرات تعليقاته، حتى تكتشف أنها مشحونة بـ”حب الوطن المشروط”، بشرط أن يخدم أجندته، ويخيط مقاس وطن على ذوقه.

هو يعلم أن حرية التعبير متاحة، ولهذا فهو يستغلها كما يستغل الفأر فتحة صغيرة في الجدار, لا ليبني، بل ليهدم من الداخل بصمتٍ ذكي.
تجده في كل مناسبة جنوبية، حاملاً راية القضية، لكنه يطويها بسرعة إن دخل “الممول الأساسي” إلى الغرفة.

صاحبنا هذا يعرف تماماً متى يكون قومياً، ومتى يصبح فدرالياً، ومتى يعلن ولاءه لمصروف الجيب، من جهة لم يسمع بها أحد من قبل، سوى “شلة سلام العيد”.
المهم أن يكون في “الجو العام”، لا معك ولا ضدك، بل مع الممول.

وإذا ما سألته عن رأيه في الوضع السياسي، يبدأ بجملة طويلة تبدأ بـ”أنا مع الجنوب قلباً وقالباً”، ثم يضيف بين السطور: “لكن علينا أن نكون منفتحين… نتفهم الآخرين، نحترم التنوع…”
وكل هذا الترميز معناه ببساطة: “دعوني أواصل مهمتي دون إزعاج”.

هذا الكائن المتلون، الذي يذكرك بحرباء متخرجة من أكاديمية فنون التنكر، لا يتوقف عند النفاق السياسي فقط، بل يمارس نوعاً من “التسميم الودي”.
في النهاية، حين تقع الفأس في الرأس، تجد بصمته في كل مصيبة، ووجهه غائب كأن الأرض ابتلعته أو استُدعي لمهمة جديدة.

فإياك ثم إياك من الذي “يمسح كتفك بحنية” وهو يغرس في ظهرك سكيناً مطلياً بعسل دوعني، فالدساس لا يخون أصله، والمتلون لا يعرف وجهه الحقيقي أصلاً.
أكيد عرفتوه؟

زر الذهاب إلى الأعلى