“سمانيوز” تستطلع آراء الجنوبيين حول حقيقة وتداعيات الصراع الإسرائيلي إيراني؟ من حروب بالوكالة إلى مواجهات مباشرة غير محسوبة العواقب

كريترنيوز / استطلاع
فجر يوم 13 يونيو 2025، شنّ الجيش الإسرائيلي هجومًا مزدوجاً، داخلياً وخارجياً، واسع النطاق استهدف منشآت نووية وبنية تحتية عسكرية واقتصادية في العمق الإيراني. ونفذ عملاؤه عمليات اغتيالات طالت عسكريين في الحرس الثوري الإيراني وعلماء نوويين بارزين. وردت إيران بإطلاق مئات الصواريخ على مواقع حساسة في إسرائيل.
ورغم التخطيط المسبق للعملية، برز عنصر المفاجأة جلياً، سواءً على مستوى الأهداف أو من جهة إلحاق كل طرف قدراً كبيراً من الضرر والأذى بالآخر؛ فبنك أهداف تل أبيب جاء كبيراً وموجعاً، كما أن اطلاع طهران على المواقع الإسرائيلية الحساسة لم يكن متوقعاً.
“سمانيوز” استطلعت آراء عدد من الجنوبيين حول حقيقة وتداعيات الصراع الإسرائيلي إيراني.. وهل نحن أمام مشهد استعراض عضلات لصناعة كيان إقليمي مستقبلي يهيمن على المنطقة العربية؟ وخرجت بالحصيلة أدناه:
تنافس الطرفين للهيمنة على الشرق الأوسط:
الأستاذ محمد السعدي أبو عادل، عضو مجلس المستشارين بالمجلس الانتقالي الجنوبي، يرى أن الصراع يأتي على خلفية تنافس الطرفين للهيمنة على الشرق الأوسط، تعتمد إسرائيل خلاله على دعم غربي لترسيخ نفوذها كحارس للمصالح الغربية، وفي الوقت ذاته تسعى لتفكيك القوة الإيرانية عبر إستراتيجية شاملة، تدمير منظومات الصواريخ والطائرات المسيرة، واقتلاع النفوذ الإيراني من سوريا ولبنان واليمن والعراق، وإجبار طهران على التفاوض من موقع الضعف.
من جهتها، عززت إيران قدراتها الصاروخية وشبكات الميليشيات رغم الضربات الإسرائيلية المتكررة، لكن سياساتها التوسعية ساهمت في تأجيج الفوضى بالمنطقة، مما وفر ذريعة للهيمنة الغربية.
وتابع الأستاذ السعدي قائلاً: تتصاعد المخاطر الآن مع تآكل قواعد الاشتباك، كما ظهر في الهجمات المباشرة المتبادلة (مثل ضربات أصفهان وإسرائيل)، وتحول التحالفات إلى قنبلة موقوتة، إيران مدعومة بـ”محور المقاومة” إلى جانب روسيا والصين، فيما إسرائيل محمية بالضمان الأمريكي والتطبيع العربي. أي تصعيد كبير قد يحول الصراع إلى حرب إقليمية شاملة تهدد بتداعيات كارثية على العرب، تدمير البنى التحتية، شلّ الاقتصادات، وانهيار النسيج الاجتماعي في دول الجوار.
ويرى الأستاذ السعدي، في ختام تصريحه، أن الخيار الأمثل هو احتواء الأزمة عبر ضغط دولي لإعادة ضبط قواعد الاشتباك، وحل الأزمات الإقليمية كـ(غزة واليمن)، واستئناف المفاوضات النووية. فشرارة واحدة قد تشعل حرباً لا تُحتمل، والمنطقة العربية ستكون الضحية الأولى.
نحن أمام حالة إيرانية تجاوزت السقف المسموح:
من جهته، الكاتب والمحلل السياسي الأستاذ صالح علي الدويل باراس، قال: نحن أمام حالة إيرانية تجاوزت السقف المسموح لها إقليمياً، وأيضاً في مجال السلاح والصواريخ فقد كان مطلوباً من إيران المشاركة في تفكيك الشرق الأوسط، لكنها عملت مشروع أذرع هدد المصالح الغربية فقاموا بقص تلك الأذرع في لبنان وسوريا، وبقي منها الذراع العراقي والذراع الحوثي. فالمطلوب من إيران أن تعود إلى حدودها التاريخية سواء برضاها أو بركلها عسكرياً.
وتابع الدويل قائلاً: أما بالنسبة لملف الصواريخ والبرنامج النووي، فإنه لن يُسمح لها أن تكون دولة نووية سواء بمفاوضات تذعن لها أو تكثيف الحرب حتى يحصل تغيير من داخل إيران، وسيتعرض ملف الصواريخ الإيرانية لإعادة مراجعة.
وختم الدويل قائلاً: الحرب الحالية لن تكون شاملة في اعتقادي، لأن شمولها سيؤثر على دول الجوار الإيراني، وستكون لها آثار اقتصادية كبيرة، لذا فإنها ستستمر حتى يصل النظام الإيراني إلى قناعة بتفكيك برنامجه النووي، فالغرب الذي استطاع إنشاء معسكرات داخل طهران لمسيراته والتي قتلت معظم الصف العسكري الأول، يستطيع أن يصل إلى تغيير النظام الذي ظهر أمام العالم أنه مُخترق.
حرب مصالح ليست عقائدية:
من جهته، الأستاذ محمد أحمد جعيول، يرى أن ما يحدث اليوم هو حرب مصالح بين جندي الغرب “إسرائيل” وإيران الطامحة إلى استعادة المجد الفارسي، فليس بالضرورة أن تكون الحروب عقائدية كما نتوهمها نحن العرب، فحروب المصالح والتحالفات هي من أشعلت حربين عالميتين في القرن الماضي.
وتابع جعيول قائلاً: لا أستبعد أن تستمر هذه الحرب حتى ينجح طرف بالسيطرة على الشرق الأوسط، وهنا تحل الكارثة على العرب في الاستفراد بالقرار من قبل أحد الأطراف، وبذلك سيجد العرب أنفسهم في مواجهة مع الطرف المنتصر، سواء إسرائيل الكبرى التي رسموا حدودها بين النهرين من النيل إلى الفرات، أو إيران التي تريد استعادة مجدها الفارسي ولكن بصبغة إسلامية متطرفة متحججة بمظلومية آل البيت.
وتساءل جعيول قائلاً: ولكن أين موقعنا نحن العرب؟ فبدلاً من أن نصرّ نحن العرب على نظرية المؤامرة، وأن الجميع يستهدفنا، وأن كل الحروب التي نشاهدها عبارة عن مسرحيات فقط الهدف منها نحن العرب، فهل نعي نحن العرب الدرس ونسعى إلى إقامة مشروع إسلامي عربي يجمع العرب تحت راية واحدة، بدلاً من أن نكون دولاً متناثرة متناحرة نعيش على الهامش وندمن الحديث عن نظرية المؤامرة فقط؟
انتقل التصعيد من مرحلة الحرب بالوكالة إلى مواجهات مباشرة:
الأستاذ سالم أحمد المرشدي، عضو مجلس المستشارين الجنوبي بمحافظة حضرموت، قال: يشهد الشرق الأوسط تصعيدًا مكشوفًا بين إيران وإسرائيل، انتقل من مرحلة الحرب بالوكالة إلى مواجهات مباشرة، آخرها الهجمات المتبادلة في 2024 التي وضعت المنطقة على شفا حرب إقليمية شاملة. لكن خلف هذا التصعيد تتشكّل معالم صراع أعمق. صراع مشروعين للهيمنة على المنطقة العربية.
وتابع المرشدي قائلاً: المشروع الإيراني يسعى لترسيخ نفوذ مذهبي وعسكري، عبر جماعات محلية كالحشد الشعبي والحوثيين وحزب الله، بينما المشروع الإسرائيلي يعتمد على التفوق التقني والدعم الدولي لبسط نفوذه عبر التطبيع والتحالفات.
والأخطر أن هذا الصراع لا يدور على أرض الطرفين، بل على حساب السيادة العربية، من سوريا والعراق إلى اليمن وغزة. وهو ما جعل المحللين يحذّرون من تحول الدول العربية إلى ساحات تصفية حسابات إقليمية.
وأضاف: في ظل غياب مشروع عربي موحّد، تبقى الخيارات محدودة، إما الارتهان لأحد المحورين، أو بناء رؤية عربية مستقلة تستند إلى: موقف سياسي موحد، دبلوماسية فاعلة لرفض عسكرة الإقليم، قدرات ردع عربية متطورة، دعم الاستقرار بعيدًا عن الاصطفافات الطائفية.
في هذا الإطار، تُعد مصر نموذجًا عربيًا واعيًا، حيث حذّرت القاهرة من مغبة انهيار إيران، لما قد ينتج عنه من فوضى جديدة تغذي الإرهاب وتفتح باب التقسيم. لذا، فإن دعم الموقف المصري بات ضرورة استراتيجية وليس مجرد خيار، لحماية توازن الإقليم ومنع تسليم القرار العربي لقوى خارجية.
وختم المرشدي قائلاً: في الأخير، نقول الصراع الإيراني الإسرائيلي ليس حدثًا عابرًا، بل أداة لإعادة تشكيل المنطقة. من لا يمتلك مشروعه سيكون أداة في مشروع الآخرين. ما لم يبادر العرب إلى صياغة مستقبلهم بأيديهم، فإن الفوضى القادمة ستعيد رسم خرائطهم لا قراراتهم فحسب.
صراع البقاء للأقوى:
الناشط الإعلامي الأستاذ ياسر محمد السعيدي قال: بالنسبة لتداعيات الصراع الإسرائيلي الإيراني، هو صراع البقاء للأقوى المهيمن على القرار السياسي والاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط.
الكيان الإسرائيلي يرى في إيران القوة النووية الصاعدة، التي إذا ما أعلنت دولة نووية فإنها سوف تلغي الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة، وقد تحرمها من خططها التوسعية في المنطقة العربية. لذلك ترى وجود إيران دولة قوية ودولة نووية قد يهدد أمنها القومي وخطط توسعها.
وأردف السعيدي قائلاً: أما بالنسبة لإيران، فانها لن تنجو من الخطر إلا بامتلاكها للسلاح النووي الرادع الذي يبقيها في مأمن من أي تهديدات عسكرية في المستقبل المنظور.
إن ما يجري من ضربات متبادلة بين الطرفين يندرج أيضاً في سياق إبراز العضلات، وإذا استمر الحال فترة أطول قد تتدخل أطراف أخرى وتنشب حرب عالمية ثالثة، وهذا احتمال ضعيف.
وختم السعيدي قائلاً: أما الاحتمال الأقوى – في نظري – هو أن تتدخل دول أخرى لفض الاشتباك والعودة للحوار، ومن ثم سوف يتغير المشهد السياسي وتظهر تحالفات جديده قد تغير من المشهد السياسي في الشرق الأوسط.
ما يحدث حرب حقيقية لإضعاف الأمة الإسلامية:
القيادي بانتقالي العاصمة عدن الأستاذ هشام الجاروني، وبه نختم استطلاعنا، قال: لا أظن أن ما يحدث استعراض عضلات، بل هو توجه مدروس مخطط له لإضعاف الأمة الإسلامية. وكلنا قد سمع تصريحات نتنياهو التي تقول لن نسمح بامتلاك قنبلة نووية إسلامية، وهو ما دفع باكستان لاتخاذ موقف داعم لإيران، وسمعنا تصريحات وزير دفاعها الذي أشار فيها إلى أن باكستان هي الهدف القادم للصهيونية العالمية.
وللأسف نحن العرب خارج المعادلة، لأن معظم الأنظمة العربية قد تخلت عن القومية العربية أولاً، وها هي تتخلى عن محيطها الإسلامي، ففقدنا هويتنا في المواجهة وأصبح العالم العربي يعيش على الهامش.
وتابع الجاروني قائلاً: إن ما يحدث ليس استعراض عضلات، ما يحدث مرحلة كسر عظم فاتورته مكلفة على إسرائيل وإيران، وقد تجر المنطقة إلى مساحة الحرب دون أن تدري. العالم قادم على أحداث كبيرة، إذا لم يتم احتواء الموقف بسرعة ستحدث كارثة، لأن الأمور متجهة إلى الانفجار العظيم ومرحلة اللا عودة.
ما يحدث هو ما بشر به هنري كيسنجر قبل ثلاثين عاماً، حين قال “سنعيد ترتيب الشرق الأوسط بحيث لا يكون هناك أعداء لأمريكا، وتقود الديمقراطية الإسرائيلية دول الاعتدال نحو السلام الدائم”، وما نراه يمر من نفس المشكاة، لقد أسقطت كل دول الممانعة، وتم احتواء كل دول الطوق ضمن المشروع الأمريكي، لم يتبقَ سوى إيران وحان الدور عليها، فلا نعتقد أن ما يحدث مسرحية بل هي مواجهة حقيقية.
وختم الجاروني قائلاً: للأسف إيران أتعبت العرب كثيرا بسياساتها وتدخلاتها السمجة. ولكن إسرائيل تبقى هي الخطر الأكبر، ومن يقول غير ذلك يتمنطق بمنطق الطائفية والاسلام السياسي. نعم إيران خطر علينا، ولكنها أيضاً خطر على عدونا التاريخي الصهيونية العالمية. هذه الحرب ستضعف الطرفين وهذا في صالح العرب إن كان للعرب مصالح يدركونها. موقف باكستان كان واضحاً وصريحاً، كنا نتمنى أن يكون للعرب أيضاً موقفاً واضحاً وصريحاً، بدلاً عن هكذا موقف يتماهى مع المشروع الصهيوني.