7 يوليو.. جُرح الجنوب الذي لا يلتئم

كتب: سها البغدادي
في مثل هذا اليوم من كل عام، لا يحتفل الجنوبيون بـ”ذكرى وطنية”، بل يسترجعون ألمًا دفينًا يختزل سنوات من المعاناة والخذلان، حيث تحوّلت أحلام الوحدة اليمنية إلى كابوس من القهر والاستبداد بعد أن فُرضت بالقوة والسلاح.
7 يوليو 1994 ليس تاريخًا عابرًا في الذاكرة الجنوبية، بل يوم سقط فيه الجنوب بيد قوات الشمال بقيادة الرئيس علي عبد الله صالح، التي دخلت عدن بعد حرب دموية انتهت باجتياح الجنوب و”احتلاله” باسم الوحدة.
خلفية الحرب واحتلال الجنوب:
بعد توقيع اتفاقية الوحدة في 22 مايو 1990 بين الجمهورية العربية اليمنية (اليمن الشمالي) وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (اليمن الجنوبي)، تدهورت العلاقة بين الطرفين سريعًا بسبب الخلافات حول تقاسم السلطة والثروات والهوية، لتندلع حرب شاملة في عام 1994.
وفي 7 يوليو 1994، تمكنت قوات الشمال بقيادة علي عبد الله صالح وبمساندة القبائل ومليشيات الإسلام السياسي من دخول عدن، عاصمة الجنوب، وإسقاطها بالقوة، في انتصار عسكري وصفه البعض بـ”الاحتلال باسم الوحدة”، بينما رآه النظام نصرًا للوحدة الوطنية.
ما بعد الحرب: قمع وانتقام وتهميش
تحوّلت الوحدة إلى أداة سيطرة واستبداد، وبدأت مرحلة ممنهجة من الإقصاء والتنكيل بالجنوبيين:
تم إقصاء آلاف الضباط والموظفين الجنوبيين من مؤسسات الدولة، وحرمانهم من حقوقهم الوظيفية والمعيشية.
نُهبت أراضي الجنوب وثرواته، خصوصًا في عدن وحضرموت وأبين وشبوة.
مورست الاعتقالات التعسفية والتصفية الجسدية بحق المعارضين في الضالع ويافع وأبين.
شُنت حملات عسكرية وأمنية شرسة قادتها قوات الأمن المركزي في المحافظات الجنوبية، أسفرت عن مجازر وانتهاكات مروعة موثقة من منظمات دولية ومحلية.
من مقاومة الاحتلال إلى الحرب الكبرى:
اندلعت في السنوات اللاحقة حركات احتجاجية جنوبية طالبت بالانفصال واستعادة الدولة، أبرزها الحراك الجنوبي الذي تأسس عام 2007.
ومع اندلاع ثورة 2011 ضد نظام علي عبد الله صالح، دخل اليمن في مرحلة انتقالية انتهت بانقلاب الحوثيين على الحكومة الشرعية في 2014.
تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات في 2015 لمواجهة الحوثيين، لكن الحرب خلقت واقعًا جديدًا على الأرض.
حكومة المناصفة.. وشعب يعيش في الظلام
رغم اتفاق الرياض وتشكيل حكومة المناصفة بين الشمال والجنوب، لا تزال مدينة عدن، عاصمة الجنوب، غارقة في الظلام:
انقطاع مستمر للكهرباء في ظل حرارة خانقة.
رواتب الموظفين والعسكريين مقطوعة منذ شهور، وسط تجاهل حكومي مخزٍ.
أسعار المواد الغذائية والوقود ترتفع بشكل جنوني، دون رقابة.
المواطن الجنوبي يشعر أنه تُرك لمصيره وحده، في وطن باتت فيه “الوحدة” رمزًا للمعاناة وليس للتكامل.
هل كانت الوحدة اليمنية سبب المأساة؟
الوحدة اليمنية، في أصلها، حلمٌ نبيل. لكن ما جرى في 7 يوليو 1994 حوّل هذا الحلم إلى كابوس مفروض بالقوة العسكرية والإرهاب السياسي. فالوحدة التي تُبنى على الدم والتهميش لا تُثمر استقرارًا، بل تولّد ثأرًا تاريخيًا وانفجارًا قادمًا.
ختاما
بعد أكثر من 30 عامًا على إعلان الوحدة، و31 عامًا على اجتياح عدن، يقف الجنوب اليمني اليوم منهكًا، مهمشًا، مثقلًا بالجراح.
والسؤال المطروح بإلحاح:
هل يمكن أن تبقى وحدة لم تُبنَ على إرادة شعبية؟ وهل من مستقبل لمصالحة حقيقية دون الاعتراف بالجرائم ومعالجة جذور المأساة؟
7 يوليو ليس “عيدًا”، بل تذكار لألمٍ لم يُشفَ بعد.