دولية

ستة أشهر على تولي ترامب الرئاسة.. ماذا جنى الأميركيون والعالم؟

كريترنيوز /متابعات /البيان

 

مرّت ستة أشهر على تسلّم دونالد ترامب ولايته الثانية في 20 يناير 2025، وهي نصف سنة شهدت فيها الولايات المتحدة موجة من قرارات تنفيذية جريئة، وتغييرات مثيرة للجدل، ونجاحات لافتة في بعض الجوانب الاقتصادية، مقابل إخفاقات وتوترات متزايدة داخلياً وخارجياً. وقد بدت ملامح عهد ترامب الثاني تتضح على وقع مزيج من التصعيد والانكفاء، وسط انقسام سياسي حاد في البلاد.

من الناحية الاقتصادية، أظهرت مؤشرات سوق العمل تعافياً ملحوظاً، إذ أضيف أكثر من 670 ألف وظيفة خلال هذه الفترة، وهو رقم تجاوز التوقعات لعدة أشهر متتالية. كما شهدت أسواق الأسهم صعوداً قوياً، مع تحقيق مؤشرات وول ستريت مستويات قياسية بدعم من التفاؤل بالطلب الاستهلاكي.

غير أن هذه الديناميكية الاقتصادية الإيجابية رافقها تصاعد ملحوظ في معدلات التضخم، خاصة في أسعار السلع الاستهلاكية كالأثاث والملابس، بفعل التوسع في فرض الرسوم الجمركية. ووفقاً لدراسات، فإن هذه السياسات (أي الحرب الجمركية) قد تُكلّف الأسر الأميركية ما يقارب 2800 دولار سنوياً أعباء إضافية لتكاليف المعيشة.

تميزت الشهور الأولى من ولاية ترامب الثانية بسياسات داخلية متشددة، إذ تم تسجيل انخفاض بنسبة 90% في تدفقات الهجرة غير النظامية، نتيجة لتشديد الإجراءات على الحدود، وهو ما اعتبره ترامب إنجازا تاريخيا. كما أصدر أكثر من 140 أمراً تنفيذياً في أول مئة يوم، وهي وتيرة غير مسبوقة، شملت تغييرات في سياسات الهجرة والطاقة والضرائب.

وفي خطوة وُصفت بأنها هجوم على أجهزة الرقابة الحكومية، أقال ترامب دفعة واحدة 17 مفتشا عاما في الوكالات الفدرالية، ما أثار مخاوف حيال الشفافية والمساءلة. كما وثّقت منظمات علمية أكثر من 400 حالة “هجوم على البحث العلمي” خلال نصف السنة الأولى، مما يعكس مخاوف أكاديمية من مساع لتسييس المعرفة وتقييد استقلالية المؤسسات.

تناقض في الخارج

خارجيا، شهدت الأشهر الستة انسحابا متسارعا من الالتزامات الدولية، بدءًا من تقليص المساعدات الخارجية بنسبة 60%، وصولا إلى انسحاب رسمي من منظمة الصحة العالمية ومزيد من التراجع في اتفاقيات المناخ. وتزامن ذلك مع تصعيد لافت في العمليات العسكرية، إذ نفّذت إدارة ترامب أكثر من 520 ضربة جوية ضد أهداف في اليمن وسوريا وإيران، أي ما يعادل مجمل الضربات التي نفذها بايدن خلال أربع سنوات.

حاولت إدارة ترامب إدارة صراعات العالم بالدبلوماسية، وفق عقيدة ترامب في فرض السلام عبر القوة، إلا أنه لم ينجح في إيقاف الحرب في أوكرانيا، كما أن هدنة غزة ما زالت عند نقطة تسلم ترامب الرئاسة دون تقدم.

هذه التحركات، رغم تبريرها بأنها «ردع استباقي»، أثارت جدلًا واسعًا، حتى داخل القواعد المحافظة الداعمة لترامب، والتي كانت تأمل بتركيز داخلي أكبر، لا خوض مواجهات عسكرية خارجية.

شعبية متذبذبة وضغوط تشريعية

رغم النجاحات الاقتصادية الظاهرة، تُظهر استطلاعات الرأي تراجعا في شعبية ترامب، خصوصا فيما يتعلق بسياسات الهجرة والإنفاق العام، إذ باتت معدلات الموافقة تحت عتبة 50%. وجاء ذلك في وقت تستعد فيه البلاد لانتخابات التجديد النصفي، وسط استقطاب حزبي محتدم.

في السياق التشريعي، أقرّ الكونغرس قانونا ضخما دُعي «One Big Beautiful Bill»، تضمّن تخفيضات ضريبية لصالح الأثرياء، وتوسيعًا للإنفاق العسكري، مقابل تقليص برامج الرعاية الاجتماعية والطاقة النظيفة. ورغم تمريره بأغلبية جمهورية، فقد شكّل مصدر انقسام داخلي عميق داخل الحزب نفسه.

ما بعد الستة أشهر

يبقى أن حصيلة ترامب في نصف سنته الأولى تمثل تجسيدًا صريحًا لبرنامجه الذي يوازن بين الاقتصاد الشعبوي والتشدد الأمني والانعزال الدولي. لكن حجم المخاطر المصاحبة لا يقل عن المكاسب الظاهرة، ما يضع إدارته أمام اختبار صعب في النصف الثاني من عام 2025.

وفيما يعوّل ترامب على الزخم الذي حققه في الداخل لتعزيز فرصه التشريعية والسياسية، فإن التحديات الاقتصادية والمعارضة الداخلية والارتدادات الدولية لتحركاته، قد تجعل من الستة أشهر القادمة أكثر اشتعالًا من سابقاتها

زر الذهاب إلى الأعلى