استعادة الدولة الجنوبية.. ضرورة لحل الصراع لا خياراً عاطفياً

كتب د. عبدالرزاق عبدالله أحمد البكري.
لم يعد الحديث عن استعادة الدولة الجنوبية ترفاً سياسياً أو شعاراً يرفعه البعض في الساحات، بل بات حقيقة استراتيجية وضرورة وطنية وإقليمية ودولية لحل الصراع اليمني المستمر منذ أكثر من ثلاثة عقود. هذا الصراع الذي أرهق الإقليم وهدد الأمن الدولي لن يجد نهايته إلا عبر الاعتراف بحق شعب الجنوب في استعادة دولته، وفتح صفحة جديدة قائمة على مبدأ الدولتين، لا على وهم الوحدة القسرية التي تحولت إلى سجن دموي.
أولاً: جذور الأزمة في اليمن.. صراع هوية لا خلاف سياسي.
إن أصل الأزمة اليمنية ليس خلافاً عابراً على سلطة أو حكومة، بل هو صراع هوياتي تاريخي بين شعبين ونظامين مختلفين:
الجنوب الذي دخل الوحدة في 1990 طواعية، لكنه خرج منها مكرهاً عام 1994 حين حُسم الخلاف بالدبابات.
الشمال الذي تعامل مع الوحدة كغنيمة سياسية واقتصادية، لا كشراكة متكافئة.
من هنا يتضح أن محاولة فرض الوحدة بالقوة ولّدت حربين أهليتين كبرى (1994، 2015) وأنتجت دورات عنف لا تنتهي. وبالتالي، أي حديث عن “إصلاح مسار الوحدة” أو “مبادرات دمج قسرية جديدة” ليس إلا تكراراً للوصفة الفاشلة التي أوصلت اليمن إلى هذا الدمار، وهذا مستبعد جداً.
ثانياً: لماذا استعادة الدولة الجنوبية ضرورة؟
1. وقف دورات الصراع: الجنوب المستباح هو الشرارة الدائمة للحروب، وحين يدير شعبه شؤونه بنفسه، سينتهي مبرر الاحتراب.
2. إدارة الموارد بعدالة: أكثر من 80% من ثروات اليمن تتركز في الجنوب، بينما تُنهب عبر قوى الشمال منذ عقود. استعادة الدولة تعني إدارة عادلة وشفافة للثروة.
3. ضمان الأمن الإقليمي والدولي: الجنوب يملك موانئ استراتيجية (عدن، المكلا، بلحاف، سقطرى) وإعادة الدولة ستجعلها عامل استقرار للملاحة الدولية لا ورقة ابتزاز.
4. تمثيل حقيقي للإرادة الشعبية: ملايين الجنوبيين خرجوا في مسيرات متواصلة منذ 2007 وحتى اليوم، ما يؤكد أن القضية الجنوبية ليست نزوة نخبوية بل مطلب شعب.
ثالثاً: حل الدولتين.. المخرج الأمثل.
إن العالم اليوم أمام خيارين:
إما فرض وحدة ميتة بالقوة، وهذا يعني بقاء اليمن بؤرة صراع، وتوسع الإرهاب، واستمرار نزيف الدم لعقود قادمة، وهذا مستحليل فلن يقبل به الجنوب وهو كان شعب مسالم خرج يرفض هذا بصدور عارية، واليوم يملك ترسانة قوية رادعه.
أو الاعتراف بخيار الدولتين: دولة جنوبية مستقلة، وشمال يعيد بناء نفسه بعيداً عن صراعاته الداخلية. هذا الحل لا يحسم فقط أزمة اليمن، بل يفتح الطريق لشراكة جنوبية–شمالية قائمة على الاحترام المتبادل، لا على الاستعباد والإخضاع.
التجارب الدولية أثبتت أن الانفصال السلمي هو الحل الأمثل لحالات الصراع المزمن: جنوب السودان، تيمور الشرقية، كوسوفو. والعالم لم يسقط لأن دولاً جديدة وُلدت، بل استعاد الاستقرار. فلماذا يُراد للجنوب أن يكون الاستثناء الوحيد؟
رابعاً: رسالة إلى الداخل والخارج
إلى الداخل الجنوبي: إن وحدتكم خلف مشروع استعادة الدولة هي الضمانة الوحيدة لانتزاع حقكم. التشرذم خيانة، والصراع الجنوبي–الجنوبي خدمة مجانية لخصومكم.
إلى الداخل الشمالي: الاعتراف بحق الجنوب ليس خسارة لكم، بل هو بداية خلاصكم من صراع لم يجلب لكم إلا الخراب. الجنوب المستقل سيكون جاراً وشريكاً، لا عدواً.
إلى الإقليم والعالم: استقرار الجنوب هو استقرار البحر الأحمر والمحيط الهندي والخليج. دعم حق الجنوب في تقرير مصيره ليس مغامرة، بل هو استثمار في أمن المنطقة.
خاتمة
إن استعادة الدولة الجنوبية ليست نزوة عاطفية، ولا خطاباً شعبوياً، بل هي خيار استراتيجي وحتمي إذا أراد اليمنيون والعالم وضع حد للصراع المستعر منذ ثلاثة عقود. وحل الدولتين ليس تهديداً، بل هو الضمان الوحيد لسلام دائم، وعلاقات أخوّة متوازنة، وجوار آمن.
الوحدة القسرية ماتت منذ زمن بعيد، أما الجنوب فقد عاد ولن يتراجع.
باحث سياسي وأكاديمي.