تكنولوجيا

المليون المستحيل.. طلب بسيط يربك “شات جي بي تي” ويرفض تنفيذه

كريترنيوز /متابعات /وائل زكير

في واقعة طريفة ، فوجئ مستخدمو الذكاء الاصطناعي برد غير متوقع من شات جي بي تي عندما طُلب منه القيام بمهمة بسيطة وهي العدّ حتى المليون. بدلاً من الاستجابة، رفض البرنامج التحدي موضحاً أن الأمر غير عملي وسيستغرق وقتاً هائلاً بلا فائدة حقيقية، ما أثار موجة من الجدل والدهشة على منصات التواصل الاجتماعي، بين من وجد في الموقف دليلاً على الذكاء ، ومن رآه عجزاً يكشف حدود التقنية.
بداية القصة
الفكرة في ظاهرها بسيطة، العدّ إلى مليون. مهمة يعرف أي إنسان أنها طويلة ومملة، لكنها ممكنة من الناحية النظرية. وعندما طُلب من الذكاء الاصطناعي تنفيذها، لم يكن الردّ محاولة للبدء أو البحث عن حيلة برمجية، بل كان رفضاً مباشراً مع توضيح أن الأمر “سيستغرق وقتًا طويلًا بلا فائدة”. وهنا بدأ الجدل: هل كان هذا الرفض عجزاً عن الأداء، أم قراراً واعياً يعكس نضجاً في التصميم؟
لماذا الرفض منطقي؟
عند التفكير في الأمر عملياً، العدّ إلى مليون يتطلّب جهداً ووقتاً هائلين، حتى بالنسبة لنظام آلي سريع. فإذا افترضنا أن النظام ينطق رقمين في الثانية، فإن إكمال المهمة سيستغرق قرابة ستة أيام متواصلة. وخلال هذه الفترة، سيكون النظام منشغلاً في مهمة لا تضيف أي قيمة معرفية أو إنتاجية.
الذكاء الاصطناعي صُمّم ليكون مساعداً ذكياً، يكتب، يشرح، يحلل، يلخّص، ويولّد محتوى مفيدًا. مهام مثل العدّ التتابعي لا تقع ضمن هذا الإطار. لذلك، الرفض لم يكن عجزًا، بل التزامًا بقاعدة أساسية: تركيز الموارد على ما يفيد المستخدم.
ما جعل القصة تنتشر ليس الرفض ذاته، بل المفارقة الكوميدية في الموقف. المستخدم يطلب شيئًا بسيطًا، والذكاء الاصطناعي ، المفترض أنه قادر على أعقد الحسابات والبرمجة، يرفض العدّ! هذه المفارقة دفعت الآلاف لإعادة التجربة وتسجيل ردود النظام، وتحولت النتيجة إلى موجة من الفيديوهات القصيرة على منصات مثل تيك توك ويوتيوب وإنستغرام.
ما الذي يكشفه هذا الموقف عن الذكاء الاصطناعي؟
الحادثة الصغيرة تحمل دلالات أكبر بكثير مثل :
تحديد الأولويات
الذكاء الاصطناعي ليس آلة مطلقة تفعل أي شيء يُطلب منها، بل نظام مصمَّم لترتيب المهام بحسب فائدتها. العدّ إلى مليون لا يضيف قيمة، وبالتالي يُستبعَد تلقائيًا.
إدارة الموارد
الاستجابة لمهمة طويلة بلا جدوى تعني استنزاف موارد حاسوبية وبشرية (كزمن المستخدم) بلا مقابل. هذا يسلّط الضوء على جانب مهم في تصميم هذه الأنظمة، الاقتصاد في الجهد حيث لا توجد فائدة.
الفجوة بين التوقعات والواقع
كثير من الناس يتصورون أن الذكاء الاصطناعي قادر على كل شيء بلا استثناء، لكن الموقف يوضح أن له حدوداً، وأن هذه الحدود ليست دائما عيبا، بل أحيانا جزء من نضج التصميم.
التحوّل الثقافي
الموقف يبيّن كيف يمكن لطلب عابر أن يتحول إلى ظاهرة شبكية عالمية، تكشف في الوقت ذاته فضول الناس ورغبتهم في اختبار الحدود.
ردود الفعل المتباينة
بعض المستخدمين اعتبروا الرفض عجزا، إذا كان لا يستطيع العدّ، فكيف سيقوم بالمهام الأعقد؟”. بينما رأى آخرون أن الموقف دليل على ذكاء في التعامل، إذ ميّز النظام بين المفيد وغير المفيد، ورفض الانشغال بما لا طائل منه.
هذا الانقسام يعكس طبيعة علاقتنا بالذكاء الاصطناعي، البعض يريد أداة مطيعة بلا حدود، والبعض الآخر يرى أنها يجب أن تكون أداة رشيدة تختار المهام بعناية.
القصة تثبت أن التكنولوجيا ليست مجرد قدرات تقنية، بل أيضا فلسفة في الاستخدام. العدّ إلى مليون ليس مشكلة في ذاته، لكنه يكشف عن كيفية تفكيرنا في دور الذكاء الاصطناعي. هل هو مجرد منفّذ للأوامر مهما كانت؟ أم شريك ذكي يقرر متى يكون الطلب غير مفيد؟
في النهاية، الموقف لم يكن عيبا في الذكاء الاصطناعي، بل ربما كان أذكى رد ممكن. فبدلا من الانغماس في مهمة عبثية، فضّل أن يوفّر وقته وجهده لمهام أكثر جدوى. وهنا يكمن جوهر القصة أن الذكاء الاصطناعي لا يُقاس بقدرته على فعل كل شيء، بل بقدرته على معرفة ما يستحق أن يُفعل وما لا يستحق.

زر الذهاب إلى الأعلى