آداب وفنون

عجائب أعماق البحار.. كيف تتحول جثة حوت إلى مدينة بحرية نابضة بالحياة؟

كريترنيوز /متابعات /رضا أبوالعينين

اكتشف العلماء أن جثث الحيتان النافقة، التي قد يصل وزنها إلى 160 ألف رطل، تتحول بعد سقوطها إلى قاع المحيط إلى أنظمة بيئية متكاملة تستمر لعشرات السنين، فيما يُعرف علميا بظاهرة “سقوط الحيتان” (Whale Fall).
وتشير دراسات حديثة إلى أن هذه الظاهرة تمثل أحد أسرار أعماق البحار، حيث تتحول الجثث الضخمة إلى “واحات حياة” تحت الماء، توفر الغذاء والمأوى لمئات الأنواع البحرية في بيئة شديدة الفقر بالعناصر الغذائية. وقد وثق معهد “شميت أوشن” في عام 2021 مشهدا نادرا لهذه الظاهرة، كاشفا عن تعقيد النظام البيئي الذي ينشأ حول بقايا الحيتان، وفقا لـsustainability-times.com.
يمر سقوط الحيتان بعدة مراحل تبدأ بمرحلة الافتراس، حيث تتجمع أسماك القرش وثعابين البحر والسرطانات لالتهام الأنسجة الطرية بسرعة. ومع اختفاء اللحم، تبدأ مرحلة التحلل، التي تقودها بكتيريا وكائنات متخصصة مثل ديدان Osedax القادرة على إذابة العظام واستخلاص الطاقة منها، وتستمر هذه المرحلة لسنوات طويلة. أما المرحلة الأخيرة، والمعروفة بـ إعادة التمعدن، فتشهد تحرر المعادن من العظام إلى البيئة المحيطة، مما يخلق موطنا خصبا للكائنات الصغيرة كالروبيان والسرطانات، ويمكن أن تمتد هذه المرحلة لعقود، لتجعل من الجثة “شعابا مرجانية طبيعية” في عمق البحر.

ويرى العلماء أن هذه الظاهرة لا تقتصر على توفير الغذاء، بل تمثل أيضا مؤشرا مهما لصحة المحيطات. إذ إن دراسة سقوط الحيتان تساعد على فهم دورة الكربون في أعماق البحار، ودور المحيط في امتصاص الكربون وتخزينه، وهو عنصر محوري في أبحاث التغير المناخي.
كما أن بعض الأنواع البحرية تعتمد كليا على هذه الظاهرة، مثل أنواع من القواقع والروبيان والسرطانات التي لا تعيش إلا قرب جثث الحيتان. إضافة إلى ذلك، تتحول الجثث إلى مواقع للتكاثر، ما يجذب كائنات بحرية كانت ستضطر عادةً إلى قطع مسافات شاسعة للبحث عن الغذاء.
ويؤكد الباحثون أن استمرار دراسة هذه الظاهرة سيكشف المزيد من أسرار أعماق البحار، خاصة مع تزايد التهديدات التي تواجهها الحياة البحرية بفعل الصيد الجائر والتلوث وارتفاع حرارة المحيطات.
ويرى خبراء البيئة البحرية أن سقوط الحيتان يقدم صورة مذهلة عن قدرة الطبيعة على إعادة تدوير مواردها وتحويل الموت إلى مصدر حياة جديد. وهو ما يدفع للتساؤل: كيف يمكن أن تسهم هذه المعرفة في تطوير استراتيجيات أفضل لحماية المحيطات ومواجهة تحديات المناخ؟

زر الذهاب إلى الأعلى