أخفى كنزاً نادراً من الذهب.. فاكتشفه العلماء بعد 2500 عام

كريترنيوز /متابعات /رضا أبوالعينين
كشف فريق من علماء الآثار بجامعة ميشيغان عن كنز نادر من الذهب الفارسي في تركيا، يعد واحداً من أبرز الاكتشافات الأثرية في السنوات الأخيرة، وقد يُحدث تحولاً في فهمنا للتاريخ العسكري والاقتصادي في العالم القديم. ويعتقد الباحثون أن هذا الكنز، الذي يعود تاريخه إلى القرن الخامس قبل الميلاد، كان يستخدم على الأرجح كدفعات مالية لتسديد أجور المرتزقة خلال الصراعات المتواصلة بين أثينا وفارس.
تم العثور على العملات الذهبية، المعروفة باسم “داركس”، في وعاء صغير مدفون تحت طبقات من الحجارة في مدينة نوشن الساحلية القديمة، على بعد نحو 60 ميلاً من مدينة سرديس القديمة، التي يُرجح أنها صكّت هذه العملات. ويعد هذا الاكتشاف استثنائياً بسبب الحفاظ على السياق الأثري للكنز، الأمر الذي يمنح الباحثين نافذة دقيقة لفهم الشبكات المالية التي دعمت الصراعات العسكرية في تلك الحقبة، وفقا لموقع sustainability-times.
علق كريستوفر رات، مدير مشروع مسح نوشن الأثري، على ندرة هذا النوع من الاكتشافات، موضحاً أن “لا أحد يدفن عملات ثمينة دون نية استرجاعها”. ويشير هذا إلى أن الكنز ربما تم دفنه أثناء أزمة مفاجئة، مثل هزيمة في معركة أو وفاة الشخص المسؤول عن حمايته. ومع ذلك، أصبح هذا الإجراء مصدراً ثميناً لعلماء الآثار، إذ يوفر معلومات مهمة عن أساليب التمويل العسكري التي اتبعتها الإمبراطوريات القديمة.
تشير الأدلة إلى أن العملات كانت تمثل دفعات أجور للمحاربين الأجانب، وهي ممارسة شائعة في الفترة الكلاسيكية المتأخرة. ويذكر المؤرخ زينوفون أن داركس واحداً كان يعادل راتب شهر كامل للجندي، ما يعني أن هذا الكنز كان قادراً على دعم قوة صغيرة من المحاربين المحترفين. ويظهر هذا الاكتشاف دور الموارد المالية في تشكيل الاستراتيجيات العسكرية، خصوصاً في مناطق مثل نوشن، التي تنقلت بين السيطرة الفارسية واليونانية قبل أن تقع تحت حكم الإسكندر الأكبر عام 334 قبل الميلاد.
بعيداً عن دلالته العسكرية، يوفر الكنز إطاراً زمنياً دقيقاً لدراسة إنتاج العملات الذهبية الأخمينية، خصوصاً وأن العملات صُدرت بتصميم موحد. ويتيح الحفاظ على العملات ضمن سياق أثري محكم للباحثين تحديد عمرها ونطاق تداولها بدقة أكبر، وهو ما يسهم في إعادة تقييم الأنظمة الاقتصادية للإمبراطورية الأخمينية في عهد داريوس الأول وخلفائه.
أكد أندرو ميدوز، خبير العملات، أن الاكتشاف قد يساعد في حل نقاشات طويلة حول العملات الفارسية وفهم كيفية إدارة الاقتصاد الإمبراطوري تحت ضغوط الصراع العسكري، مقدماً صورة أوضح عن البنية المالية للإمبراطوريات القديمة.
يشير فريق جامعة ميشيغان إلى أن الكنز لا يمثل مجرد ثروة مادية، بل “صورة من الزمن” وسرداً للتوترات الجيوسياسية القديمة. وتعد مدينة نوشن مثالاً على كيفية الجمع بين السيطرة العسكرية والتخطيط المالي الإمبراطوري، ما يجعل هذا الاكتشاف أكثر من مجرد كنز: وثيقة تاريخية حية تكشف حركة الذهب، استراتيجيات التمويل، وكيف تحولت مصيبة خادم الأموال الضائع إلى مكسب علمي لا يقدر بثمن.