صدام الحضارات أم التعايش؟ بين أطروحة هنتنغتون وواقع غزة اليوم

كتب / منى أحمد
طرح صامويل هنتنغتون قبل أكثر من ثلاثة عقود أطروحته الشهيرة “صدام الحضارات”، التي اعتبر فيها أن الهوية ستصبح المحرك الأساسي للصراعات في عالم ما بعد الحرب الباردة. رؤيته جعلت العالم يبدو وكأنه مقسوم إلى “عوالم متناحرة”، تحكمها الانقسامات الثقافية والدينية بدلًا من إمكانيات التعاون والتعايش.
اليوم، ومع استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، يبدو أن أطروحة هنتنغتون تُستَحضَر في السياسات الغربية. الولايات المتحدة تقف بصلابة خلف إسرائيل، رافضة كل الجهود الدولية لوقف إطلاق النار أو محاسبة تل أبيب على انتهاكاتها. هذا التعنت الأميركي يعكس منطق “الاصطفاف الحضاري”، حيث تُصوَّر إسرائيل وكأنها الامتداد الطبيعي لـ”الغرب الديمقراطي”، في مقابل “الآخر” الذي يُختزل في الفلسطينيين والعرب والمسلمين.
لكن مشهد اليوم يحمل تطورًا مهمًا: اعتراف معظم الدول الغربية بدولة فلسطين. هذه الخطوة، رغم أنها جاءت متأخرة، تعبّر عن إدراك متنامٍ لدى العواصم الأوروبية بأن منطق “الصدام” لم يعد مقنعًا، وأن استمرار تجاهل حقوق الفلسطينيين يهدد الاستقرار العالمي ويضع الغرب في مواجهة ضميره وقيمه المعلنة.
من جهة أخرى، يحاول العرب ـ عبر مبادرات مثل الاتفاق الإبراهيمي أو الدفع باتجاه حل الدولتين ـ أن يقدموا رؤية بديلة، تقوم على التعايش والتقارب بدلًا من المواجهة. ورغم كل ما يشوب هذه المبادرات من جدل وانقسام، فإنها تحمل رسالة واضحة: الصراع ليس قدرًا، والهوية يمكن أن تكون جسرًا للحوار بدلًا من أن تكون أداة حرب.
إن الحرب على غزة تكشف لنا أن العالم اليوم أمام مفترق طرق: إما الاستسلام لمنطق هنتنغتون حيث تُختزل الهوية في جدران فاصلة وصراعات دائمة، أو استثمار لحظة الاعتراف الواسع بفلسطين لفتح صفحة جديدة تُعيد الاعتبار للتفاعل الإنساني والعدل والسلام. الخطوة الأوروبية الأخيرة تُظهر أن التعايش ممكن، لكنها تضع واشنطن في عزلة واضحة، وتطرح سؤالًا جادًا حول قدرتها على الاستمرار في فرض منطق “الصدام” في عالمٍ يتغيّر.
منى احمد
#الجنوب_العربي