فك لغز “الصندوق الأسود”.. سر المكونات الخفية وراء إبداع الذكاء الاصطناعي

كريترنيوز/ متابعات /رضا أبوالعينين
كشف فريق من الباحثين عن السر وراء ما يبدو أنه إبداع لدى أنظمة الذكاء الاصطناعي، خصوصا في نماذج توليد الصور مثل DALL·E وStable Diffusion وImagen. وأظهرت الدراسة الحديثة أن هذا الإبداع ليس مجرد صدفة، بل هو نتيجة حتمية لهندسة هذه الأنظمة وتقنياتها الأساسية.
تم تصميم هذه النماذج لتوليد نسخ مطابقة للصور التي تدربت عليها، لكنها تفاجئ المستخدمين أحيانا بقدرتها على مزج العناصر المختلفة لإنشاء صور جديدة ذات معنى ودقة بصرية، بما يشبه الإبداع البشري. وهذا ما أدهش الباحثين، إذ إن الخوارزميات عادة ما تكون قوية في معالجة المعلومات لكنها ضعيفة في ابتكار شيء جديد.
يعتمد توليد الصور في هذه النماذج على عملية تسمى “إزالة الضوضاء”، حيث يتم تحويل الصورة إلى ضوضاء رقمية ثم إعادة تجميعها. ومن خلال هذه العملية، يبدو أن النماذج قادرة على توليد صور مبتكرة، وكأنها تعيد تجميع لوحة ممزقة لتصبح عملاً فنياً جديداً.
وقد توصل الباحثان ميسون كامب وسوريا جانغولي من جامعة ستانفورد إلى أن ما يسمى بالإبداع في هذه النماذج يعود إلى ميزتين أساسيتين في هندستها: المحلية والتكافؤ الانتقالي. تشير “المحلية” إلى أن النموذج يركز على بقعة صغيرة من البكسلات في كل مرة دون النظر للصورة الكاملة، بينما يعني “التكافؤ الانتقالي” أن النموذج يلتزم بتعديلات دقيقة عند تغيير أي جزء من الصورة، وفقا لـ Quanta Magazine.
وباستخدام هذه المميزات، قام الباحثان بتصميم نظام رياضي يُعرف باسم “آلة الدرجة المحلية المكافئة” (ELS) قادر على توقع مخرجات نماذج الانتشار بدون الحاجة لتدريبها مسبقا. وعند اختبار النظام على صور تم تحويلها إلى ضوضاء رقمية، أظهرت النتائج أن آلة ELS كانت قادرة على إعادة إنتاج الصور بنفس دقة نماذج الانتشار المدربة، بمعدل نجاح وصل إلى 90%، وهو رقم غير مسبوق في مجال تعلم الآلة.
وأكد الباحثان أن هذه النتائج توضح أن الإبداع في نماذج الذكاء الاصطناعي ليس نتيجة عشوائية، بل هو ناتج مباشر عن طريقة عمل النماذج نفسها. كما أن ظواهر غريبة مثل ظهور أصابع إضافية في الصور الناتجة هي أيضا نتيجة طبيعية لهذه العمليات التقنية، ولا تعكس أخطاء عشوائية.
ويرى الخبراء أن هذه النتائج لها تأثيرات مهمة على فهمنا للذكاء الاصطناعي، وقد تسهم أيضا في إلقاء الضوء على طبيعة الإبداع البشري. فمثلما تقوم هذه النماذج بتركيب الصور بناءً على مكونات محددة، يقوم البشر بتوليد الأفكار والإبداع من خلال خبراتهم وتجاربهم ومخيلتهم.
وقال لوكا أمبروجيني، عالم الحاسوب في جامعة رادبود بهولندا: “القوة الحقيقية للبحث تكمن في القدرة على تقديم تنبؤات دقيقة لعمليات تبدو معقدة وغير بديهية”. بينما أشار بنجامين هوفر، باحث في معهد جورجيا للتكنولوجيا: “الإبداع البشري والذكاء الاصطناعي قد يتشابهان أكثر مما نعتقد، فكلاهما يبني شيئا جديدا من عناصر موجودة مسبقا”.
وتفتح هذه النتائج الباب أمام تطوير نماذج ذكاء اصطناعي أكثر فهما لقدراتها الإبداعية، وقد تساعد العلماء في فهم عمليات الإبداع لدى البشر من منظور علمي دقيق. ويعد هذا الاكتشاف خطوة مهمة نحو فك لغز “الصندوق الأسود” للذكاء الاصطناعي، حيث يمكن الآن تفسير جزء من العمليات الداخلية التي تجعل الآلات تبدو مبتكرة.