الإغلاق الحكومي الأمريكي.. خسائر فادحة تطال الجميع

كريترنيوز /متابعات /فايننشال تايمز
مرة أخرى، ينظر العالم بقلق وحيرة إلى الإغلاق الحكومي الأمريكي، خاصة مع تعليق الكثير من الوظائف الحيوية ومنح نحو 750 ألف موظف فيدرالي إجازة مؤقتة. وكان الإغلاق الحكومي الأول منذ 7 سنوات قد وقع نتيجة لمأزق سياسي حول قضية خطيرة: ملايين الأمريكيين يواجهون زيادات هائلة في أقساط التأمين الصحي.
وهذه المرة ينتهز الرئيس دونالد ترامب الفرصة لإقالة عدد كبير من الموظفين بهدف تقليص الإدارات والبرامج التي لا يحبذها، وتقليص القوى العاملة الفيدرالية، لكن بالنسبة لمعارضيه الديمقراطيين الذين اختاروا تفعيل هذا الإغلاق، فقد تأتي هذه الاستراتيجية عالية المخاطر بنتائج عكسية.
ويعود أصل هذا الجمود السياسي إلى انتهاء العمل بنهاية العام الجاري بتحسينات الدعم بموجب قانون الرعاية الصحية الميسرة أو «أوباما كير»، التي تم توسيعها في عهد إدارة بايدن، وأسهمت في الحفاظ على أقساط التأمين في متناول الجميع.
ومن المتوقع أن يتجاوز متوسط الأسعار الضعف. لذلك، فقد رفض معظم الديمقراطيين دعم مشروع قانون جمهوري مؤقت، كان من شأنه استمرار التمويل الفيدرالي حتى السنة المالية الجديدة التي تبدأ في الأول من أكتوبر، ما لم يتضمن أحكاماً لمعالجة مسألة خفض الدعم. كما أنهم يريدون إلغاء التخفيضات الجذرية في تمويل برنامج «ميديكيد».
يتحمل الرئيس ترامب والجمهوريون جزءاً كبيراً من اللوم في قضية الإغلاق الحكومي، حيث يُفترض أن تُشكل شكوى أعداد كبيرة من الأمريكيين من ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية مصدر قلق سياسي للجمهوريين أيضاً. لكنهم أصرّوا على إبقاء هذه القضايا السياسية منفصلة عن محادثات تمديد التمويل. كما، لم يُبدِ ترامب أي رغبة تُذكر في التفاوض.
وفي حين سعى الرؤساء السابقون جاهدين للحد من تداعيات الإغلاق الحكومي، ينتهز ترامب هذه الفرصة لتحقيق مكاسب سياسية ولتمرير أجندته الخاصة.
وأفادت التقارير أن راسل فوت، مدير ميزانية ترامب ومهندس مخطط «مشروع 2025» لرئاسة محافظة، أبلغ المشرعين الجمهوريين في مجلس النواب في مكالمة هاتفية الأربعاء الماضي أن عمليات تسريح العمال ستبدأ قريباً. وقد أشار البيت الأبيض بالفعل إلى تخفيضات ملموسة في البرامج المهمة للديمقراطيين.
وفي مواجهة ضغوط من قاعدتهم الشعبية لاتخاذ موقف أكثر صرامة ضد إدارة ترامب وأجندته، لم يكن أمام الديمقراطيين خيارات جيدة. وبالنظر إلى سعي ترامب لتحقيق أهدافه بأساليب عدوانية، غالباً ما تكون غير قانونية، فإن الرغبة في الاستيلاء على جزء من نفوذهم السياسي أمر مفهوم.
وبينما تُعدّ حماية الأمريكيين الضعفاء من ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية أمراً مهماً بدرجة كبيرة، فإن عمليات التسريح الفيدرالية الجماعية هي التي ستتسبب صعوبات في أكبر للكثيرين.
ويكمن الخطر الذي يواجه الديمقراطيين في أن الناخبين يحملونهم مسؤولية فتح الباب للبيت الأبيض لبذل قصارى جهده في مجال إلغاء الكثير من الوظائف الفيدرالية، قبل انتخابات التجديد النصفي التي تُمثل أفضل فرصة لهم لإبطاء قوة ترامب التي يعتبرها كثيرون مدمرة.
ويقود استغلال ترامب للإغلاق الحكومي إلى مخاطر أوسع نطاقاً. وقد ساعدت الطبيعة المؤقتة لعمليات الإغلاق السابقة في الحد من الضرر الاقتصادي، إلا أن فقدان الدخل للعمال المسرحين بشكل دائم، والتخفيضات طويلة الأجل في الإنفاق على البرامج الحكومية.
قد تحمل تكلفة اقتصادية أعلى بكثير. كما قد يُلقي الإغلاق الحكومي المُطوّل والجمود السياسي بثقلهما على ثقة المستثمرين، ويدفعان المستثمرين الدوليين المُترددين إلى الشروع فعلياً في إعادة تخصيص أموالهم بعيداً عن الأصول الأمريكية.
مهما كانت أجندة ترامب، فمن مصلحة كلا الحزبين، والموظفين الفيدراليين والشعب الأمريكي، إيجاد سبل لمعالجة مسألة قطع دعم الرعاية الصحية والتفاوض على إنهاء سريع للإغلاق. لكن أزمة اليوم تُسلّط الضوء على المخاطر التي تُهدد الولايات المتحدة من وجود آلية تسمح بإغلاق الولايات عندما لا يتفق الحزبان – وهو ما يُمكن استغلاله أيضاً لأغراض سياسية من قِبل رئيس يحب ذلك.