هل حان وقت الاستثمار في الذهب؟.. العمر عامل رئيسي

كريترنيوز /فايننشال تايمز/ميك كوري
قبل بضع سنوات أهدتني والدتي عملة ذهبية قديمة ورثتها من والدتها في جنوب أفريقيا، حيث كان الذهب دائماً بمثابة بوليصة تأمين ضد الانهيار، وفي بلد عانى طويلاً من أزمات عدة للعملة والتضخم وتقلبات السوق والاضطرابات السياسية، كانت العملة الذهبية بمثابة حصن منيع حال ساءت الأمور.
لكن بدلاً من أن تُشعرني بالراحة، فإن العملة القديمة التي خبأتها في زاوية درج جواربي لعدم وجود مكان تخزين مناسب زادت من قلقي، ماذا لو أضعتها؟ ماذا لو نسيتها ببساطة، في ضبابية ما لذهني؟ ماذا لو سُرقت؟
وكنت متأكدة تماماً من أن أي شركة تأمين لن تقبل «درج الجوارب» مكاناً آمناً لتخزين العملات، وبدا إيجاد مساحة تخزين مناسبة لعملة واحدة مهمة شاقة. كذلك، وبشكل أكثر عملية، سألت نفسي كيف سأقسم عملة واحدة بين طفلتيّ؟ هل سأقسمها إلى نصفين؟
كانت لوجستيات الميراث مزعجة بقدر الخوف من فقدان العملة.
في النهاية، وبمباركة والدتي، بعتها في هاتون جاردن بلندن هذا الصيف بسعر الذهب الفوري (نحو 3000 جنيه إسترليني) واستثمرت المال بالتساوي في حسابات التوفير الفردية الصغيرة للطفلتين.
لكن هذا الأسبوع، ارتفع الذهب إلى مستويات جديدة، زاد السعر الفوري فوق 4000 دولار للأونصة لأول مرة، ما يعني ارتفاعه بأكثر من 50 % في العام حتى الآن – وهو ما يتجاوز بكثير مكاسب مؤشر ستاندرد آند بورز 500 البالغة 15 %.
في الواقع، وفقاً لكلير لينكولن، رئيسة علاقات المستثمرين المؤسسيين في مجلس الذهب العالمي، وصل الذهب إلى أعلى مستوى له 45 مرة هذا العام وحده. وتؤثر هذه التقلبات على المستثمرين.
وإذا أخذنا جنوب أفريقيا مثالاً، فقد كانت بورصة جوهانسبرغ واحدة من أفضل الأسواق أداء في العالم هذا العام. فقد ارتفعت بنسبة تقارب 30 % (أي ضعف مؤشر ستاندرد آند بورز 500)، مدفوعة إلى حد كبير بارتفاع أسعار الذهب التي أفادت العديد من الشركات المدرجة في البورصة. كما لعب البلاتين هو الآخر دوراً.
كان أحد المحركات الرئيسية لقوة الذهب الأخيرة هو اندفاع المستثمرين الغربيين على صناديق الاستثمار المتداولة المدعومة بالذهب، مع 145 طناً من التدفقات الداخلة خلال شهر سبتمبر وحده، ومعظمها مدرجة في الولايات المتحدة.
ووفقاً لشركة لينكولن، فقد تم دعم هذا الطلب من قبل المستثمرين «خارج البورصة» من خلال هياكل المشتقات قوية الأداء وزيادة شراء العقود الآجلة للذهب الأمريكي.
وكشفت «إنفست إنجين»، وهي منصة استثمار في صناديق الاستثمار المتداولة للمستثمرين الأفراد، عن زيادة ضخمة في صافي التدفقات إلى السلع المتداولة في البورصة الذهبية بأكثر من 250 % هذا العام مقارنة بعام 2024 بأكمله.
وعلى العكس من ذلك، تباطأ بشكل ملحوظ طلب التجزئة في الصين، وهو الذي لعب دوراً مهماً في الأداء القوي للذهب خلال النصف الأول من العام، خصوصاً عندما وصل الذهب في البداية إلى 3500 دولار للأوقية في أبريل.
ويتجلى هذا في تباطؤ تدفقات صناديق الاستثمار المتداولة الصينية، والخصم الكبير البالغ 40 دولاراً للأونصة في سوق الذهب المادي في بورصة شنغهاي، وانخفاض أحجام التداول عبر جميع العقود في بورصة شنغهاي وبورصة شنغهاي للعقود الآجلة.
لقد زادت قوة اهتمام المستثمرين لسببين رئيسيين: أولاً، ثمة أدلة متزايدة على أن تباطؤ الاقتصاد الأمريكي سيسمح لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بخفض أسعار الفائدة أكثر، حيث تتوقع أسواق العقود الآجلة تخفيضات في كل من اجتماعيه المتبقيين هذا العام.
ثانياً، يثير تزايد الخطاب المعادي لبنك الاحتياطي الفيدرالي واستقلاليته، والذي تغذيه إدارة ترامب، مخاوف بشأن استقرار الدولار الأمريكي وسوق سندات الخزانة.
وصحيح أن تخزين الذهب بشكل سليم مكلف، لكن على عكس السندات، لا يحمل الذهب أي مخاطر ائتمانية، وعلى عكس الأسهم، لا يعتمد على حجم العوائد والأرباح. إنه ببساطة موجود، ويحصل على هذا التقدير العالي تحديداً لوجوده خارج النظام المالي. إنه الملاذ الآمن الأمثل، كما أنه يتميز بسيولة عالية.
وحركة الذهب قوية، لكنها محدودة. وقد يكون المستثمرون والمضاربون الغربيون، الذين كانوا المحرك وراء ارتفاعات الأسعار الأخيرة، أكثر تقلباً من غيرهم من مشتري الذهب.
وقد تزداد عمليات جني الأرباح وتصحيحات الأسعار بروزاً في سوق الذهب خلال الفترة المتبقية من هذا العام. وبالطبع، بينما قد يتألق الذهب، إلا أنه لا يُثمر شيئاً.
وخلال فترات الهدوء، قد يبدو عبئاً ثقيلاً، لكن مع تآكل القيمة الحقيقية للنقد والسندات بسبب التضخم، وتهديد التقلبات المستمر لأسواق الأسهم، يزداد دور الذهب بوصفه أداة قيّمة لتنويع الاستثمارات.
وتروج مؤسسات مثل مورغان ستانلي لإعادة النظر في توزيع الأصول التقليدي بنسبة 60/40 للأسهم والسندات في المحفظة الاستثمارية، إلى تقسيم بنسبة 60/20/20، حيث يكون للذهب وزن مساوٍ لوزن أدوات الدخل الثابت.
هناك جدل متزايد حول ضرورة زيادة صناديق التقاعد مخصصات من أصولها للمعدن الأصفر. وبالنسبة لمن يقاربون سن التقاعد، ويراقبون بقلق تسلق الأسواق الصاعدة جداراً من القلق، يوفر الذهب وسيلة للحماية من التراجع. ويمكن لتخصيص ما نسبته 3 – 5 % من المحفظة الاستثمارية أن يقلل من إجمالي المخاطر دون التأثير بشكل كبير على العوائد طويلة الأجل.
وإذا كنت قلقاً بشأن انخفاض العائد، يمكنك تحقيق دخل خاص من خلال جني الأرباح أثناء إعادة التوازن، ومع اقتراب البعض من سن التقاعد، تزداد أهمية التحوط من تقلبات السوق، والجميع يعلم أنها آتية لا محالة.
فالذهب موجود لامتصاص صدمات الارتفاعات المفاجئة في توقعات التضخم، ونوبات الذعر في السوق، والسياسات الحكومية التي تخفض قيمة العملات، أو التوترات الجيوسياسية.
والحروب في أوروبا والشرق الأوسط، والتشرذم الجيوسياسي، والتضخم المضطرب، وعدم القدرة على التنبؤ بالسياسة الأمريكية، كلها عوامل تسهم في عالم يتوق فيه المستثمرون إلى توفر الحماية. ويزدهر الذهب في ظل عدم اليقين – وهذا هو الشيء الوحيد الذي لن يتغير.
لقد اختفت العملة القديمة لجنوب أفريقيا، وأصبحت الآن مجرد خط بند بحساب التوفير الفردي الخاصة بابنتي. لكن هل يمكن أن أضع المال في صندوق استثمار متداول بالذهب من أجلهما؟
مستحيل، أريد تعزيز النمو لصالحهما وهما في هذه السن الصغيرة، بدلاً من اتخاذ موقف دفاعي، ومع ذلك، سأخصص جزءاً من معاشي التقاعدي للذهب.. وسأحرص على أن أحتفظ به ضمن حدود معاش تقاعدي الشخصي المستثمر ذاتياً. نعم، أعلم أنني بعت الذهب في الوقت الخطأ، وربما كنت سأشتريه في الوقت الخطأ عند ذروة السوق.
لكنني لا أهتم حقاً، فمع التوتر المتزايد للأعصاب إزاء مسار الأسواق الصاعد، وتفاقم التوترات الجيوسياسية ساعة بعد ساعة، وتغير القواعد القديمة لتوزيع الأصول الاستراتيجية، قد يكون قليل من الاحترام للمعدن الأصفر ذا قيمة.