تكنولوجيا

لماذا تحتفي جوجل بالمعادلة التربيعية اليوم.. وما علاقة أسطورة السلة مايكل جوردان؟

كريترنيوز/ متابعات /رشا عبد المنعم

 

يُطلق “جوجل” احتفالاً غير مألوف على صفحته الرئيسية، يحوّلها من مجرد بوابة بحث إلى قاعة تدريس للفيزياء التطبيقية. بطل هذا الاحتفاء هي المعادلة التربيعية (y = ax² + bx + c)، والمرتبطة بشكل مباشر بمسار كرة السلة.

 

هذا الربط ليس عبثياً؛ فكل قوس مثالي للكرة قبل دخولها الشباك هو في حقيقة الأمر تمثيل بياني دقيق لقانون رياضي يعود عمره لآلاف السنين.

 

أرادت جوجل تحويل صفحتها الرئيسية إلى مساحة تعلم عالمية، تثبت أن الرياضيات ليست مجرد أرقام جافة، بل هي اللغة السرية التي تُسيّر أعظم لحظاتنا الرياضية.

 

المعادلة التربيعية ليست اكتشافاً حديثاً؛ بل يعود تاريخها إلى حضارات قديمة. البابليون القدامى (في الألفية الثانية قبل الميلاد) كانوا أول من وضع طرقاً لحل المسائل المشابهة لها.

 

أما الفضل في تأسيس علم الجبر الحديث لحلها، فيعود إلى العالم المسلم محمد بن موسى الخوارزمي في القرن التاسع، والذي وضع الأساس للصيغة الجبرية.

 

لكن التحول الأكبر كان في القرن السابع عشر، حين تحدى العالم الإيطالي غاليلو غاليلي الاعتقاد السائد، وأثبت رياضياً وعبر التجارب أن المسار الحقيقي لجميع المقذوفات، ومنها كرة السلة، يجب أن يكون قطعاً مكافئاً مثالياً تحت تأثير الجاذبية الأرضية.

 

هذا الاكتشاف كان ثورياً، إذ ربط أخيراً بين الرياضيات الهندسية (القطع المخروطية) وفيزياء الحركة.

 

تُعد المعادلة التربيعية هي النموذج الرياضي لحركة الكرة، حيث يمكن تمثيل الارتفاع بدلالة المسافة الأفقية و أهم المتغيرات وهي ، الزاوية (Angle) والسرعة الابتدائية (Velocity).

 

تُشير الدراسات الهندسية للرمية المثالية إلى أن الزاوية الأفضل لدخول الكرة هي ما بين 45 إلى 55 درجة لضمان أكبر هامش خطأ مسموح به.

 

أبطال مثل مايكل جوردان وعبقري الثلاثيات ستيفن كاري لا يحملون آلة حاسبة، لكنهم يمتلكون ذكاءً حركياً يُمكّنهم من تعديل ثوابت المعادلة في أدمغتهم بثوانٍ.

 

فكاري، عند التسديد من خط الثلاث نقاط البعيد، يزيد من قيمة القوس (الذي يحدده الثابت ) للحصول على مسار أكثر انحداراً عند الوصول إلى السلة، ما يزيد من احتمالية التسجيل حتى مع سرعة إطلاق عالية. إنه تطبيق غريزي للتحليل التفاضلي في اللحظة الحاسمة.

 

لا تكتمل المعادلة التربيعية المثالية دون الأخذ في الحسبان عاملاً فيزيائياً صامتاً وحاسماً: الدوران الخلفي (Backspin). هذا الدوران هو جزء لا يتجزأ من المعادلة، حيث يقلل من الطاقة الحركية للكرة لحظة ملامستها لحافة السلة، مما يمنعها من الارتداد بقوة بعيداً.

 

اللاعبون المحترفون، بخلاف الهواة، يمنحون الكرة دوراناً خلفياً متسقاً يضمن أن يكون تفاعل الكرة مع الشبكة أو الحافة “ناعماً” ومُمتصاً للصدمة.

 

وهذا العامل يمثل إضافة دقيقة على المتغيرات الحاكمة في المعادلة، تزيد من فرص نجاح الرمية بنسبة كبيرة، ويعد سرّاً من أسرار دقة “رمية القفز” (Jump Shot) التي يشتهر بها جوردان.

 

رغم غياب الفيلم الوثائقي الهوليودي بعنوان “الرياضيات التربيعية في الرابطة الوطنية لكرة السلة” (NBA)، فإن الجانب التعليمي والتحليلي للموضوع حاضر بقوة.

 

سلسلة “علم الرياضة” (Sport Science) التابعة لشبكة “إي إس بي إن” (ESPN) تعتمد بشكل كامل على تحليل “القطع المكافئ” (Parabola) في تسديدات اللاعبين، وتوضح كيف أن الانحراف بمقدار درجة واحدة فقط عن الزاوية المثالية يمكن أن يعني الفشل.

 

كما أن هناك برامج تعليمية ووثائقيات قصيرة مثل “تعلّم الرياضيات في كرة السلة” (Get the Math in Basketball) و “حكايات الرياضيات” (Math Katha) تهدف إلى شرح هذه المفاهيم للطلاب، وتُظهر لهم كيف أن الفيزياء التي يدرسونها في الفصل هي نفسها التي يستخدمها لاعبهم المفضل لتسجيل النقاط الحاسمة.

 

إن احتفاء جوجل بالمعادلة التربيعية لا يهدف فقط إلى تدريس الفيزياء للطلاب، بل يحمل رسالة أعمق حول “الذكاء الاصطناعي” (AI) وعلم البيانات” .

 

ففي العصر الحديث، تُستخدم نماذج رياضية أكثر تعقيداً تعتمد على أسس المعادلة التربيعية لتحليل الأداء الرياضي التنبئي.

 

تستخدم فرق الرابطة الوطنية لكرة السلة الآن تحليلات متقدمة لتحديد أفضل مواقع التسديد وأكثرها كفاءة للاعبين.

 

وبذلك، فإن فهم المعادلة التربيعية اليوم لم يعد يقتصر على رمية السلة، بل هو الأساس لفهم كيفية استخدام الخوارزميات والتحليل الإحصائي لزيادة فرص الفوز في المباريات. إن هذا الاحتفال هو تذكير بأن أعظم إنجازاتنا الرياضية تكمن في قدرتنا الفطرية على تطبيق أعقد المعادلات الرياضية.

زر الذهاب إلى الأعلى