مقالات وآراء

الدين والدولة… بين فطرة الإيمان وصناعة التطرف

بقلم / المستشار .م. بدر علي أحمد مقبل

المقدمة:
هل المعاهد الدينية تبني الوعي أم تزرع بذور الغلوّ؟

في عالمٍ تمزّقه الصراعات ويُستغل فيه الدين وقودًا للسياسة، يطفو على السطح سؤال كبير:
هل فشلنا في التمييز بين الإيمان كقيمة روحية والدين كأداة نفوذ وسلطة؟
وهل المعاهد الدينية التي نحتفي بها في مجتمعاتنا المسلمة أصبحت منابر لتغذية الفكر المتطرف بدل أن تكون مدارس للعلم والتنوير؟

من خلال هذا المقال نحاول أن نفتح نافذة على علاقة الدين بالدولة، وعلى دور جماعات الإسلام السياسي، والمعاهد الدينية التي تحولت – في كثير من الحالات – من فضاء للمعرفة إلى معامل لإنتاج الولاءات والانغلاق.

الدين والدولة… بين الفطرة والاستغلال

هل إذا ما فُصل الدين عن الدولة وأُغلقت المعاهد الدينية سينتهي الدين من قلوب الناس وتلحد الشعوب الإسلامية؟
أم أن ما سينتهي حقًّا هو ذلك “الحبل السري” الذي يغذي أجنة الإرهاب في رحم المجتمعات، فتضعف صلتها بالتكفير والعنف، وتنقرض سلالة الغلوّ التي شوّهت صورة الإسلام؟

فالدين لا يموت بانتهاء المؤسسات الدينية، لأنه فطرة مغروسة في الإنسان، بل الذي يزول هو الاستغلال السياسي للدين، حين يتحول من رسالة أخلاقية إلى وسيلة حكم وهيمنة وتبرير للعنف.

جماعات الإسلام السياسي… أدوار مزدوجة وأجندات غامضة

يبقى السؤال الأكثر إلحاحًا: ما سرّ هذا التناقض الذي يجعل بعض الدول العربية والغربية تعلن عداءها لجماعات الإسلام السياسي من جهة، بينما تبقيها حيّةً من جهة أخرى، كخلايا نائمة تُستدعى ساعة الحاجة؟

هل هي أدوات لتنفيذ الثورات أو الاغتيالات السياسية؟
أم وسيلة لإرهاب المعارضة وإسكات المفكرين والناقدين؟
أم أن في الأفق مشروعًا أوسع لبناء دويلات متناحرة تُقام باسم الخلافة، على غرار ما شهدناه في أفغانستان وسوريا، وربما في مناطق يجري إعدادها سرًّا، مثل الجنوب العربي الذي كان ذا توجه وطني اشتراكي قبل أن يُحتل ويُغيّب مشروعه؟

ستار العمل الخيري

تتخفّى هذه الجماعات خلف شعارات براقة كـ”العمل الخيري” و”الإغاثة الإنسانية”، وتؤسس منظمات تزعم رعاية الفقراء والمحتاجين.

لكن، أليس من واجب الدولة أن تعتني بمواطنيها وتحارب الفقر والجوع؟

فلماذا تُترك هذه المهمة لجهات دينية مشبوهة التمويل، تستخدم المساعدة غطاءً لغرس الولاء والتجنيد الأيديولوجي؟

المعاهد الدينية… حين يتحول التعليم إلى تجنيد

يتساءل كثيرون، بسخرية أو دهشة: ما حاجتنا اليوم لكل هذه المعاهد الدينية؟
هل نحن من بقايا كفار قريش لم يبلغنا الإسلام بعد؟ أم من شعوب بعيدة تحتاج إلى من “يبشرها” بدينها؟

نحن أمة مسلمة بالفطرة، مؤمنة بالله ورسوله، ولسنا بحاجة إلى مؤسسات تُعيد تلقين ما نعرفه بالفطرة والعقيدة.

لكن الخطر الحقيقي ليس في التعليم الديني ذاته، بل في ما يجري خلف جدران تلك المعاهد من تلقين فكري وتعبئة نفسية وتدريب بدني، تُحوّل الطالب إلى “جندي” في جيش غير مرئي، يمول من جهات مجهولة الأهداف.
فمن يدفع كل تلك الأموال؟ ولماذا؟

من معاهد التحفيظ إلى معاهد التصنيع

ألم يكن الأجدر بالدول، خاصة في الجنوب العربي حيث ثم نقل مركزها من صنعاء وانشائها وانتشارها في الجنوب بعد عام 2015، أن تحوّل هذه المعاهد إلى مراكز تقنية ومهنية تزوّد الشباب بالمهارات والعمل الشريف؟
كان يمكن لهؤلاء أن يصبحوا بنّائين ومهندسين وعمالًا مهرة، يرفعون أوطانهم بدل أن يهدموها بأيديهم.

قال الرسول الكريم ﷺ بما معناه:

” إن الله يحب اليد الخشنة من أثر العمل “.

فأين نحن من هذا الجوهر النبيل للإسلام؟
أين الدين الذي يحرّر الإنسان ويعلي قيمته، من الدين الذي يُستغل لإخضاعه؟

خاتمة:

إنّ أخطر ما نواجهه اليوم ليس الإلحاد، بل تشويه الإيمان، وليس ضعف الدين، بل تديين السياسة.
حين نُعيد الدين إلى مكانه الطبيعي – في القلب والضمير – ونفصل سلطته عن الدولة، لن نخسر الإسلام، بل سنستعيده نقيًّا، كما أُنزل:
دينًا للرحمة لا أداة للعقاب ، ورسالة للإنسان ، لا سلاحًا بيد الساسة.
أ . م . بدرمقبل ..

زر الذهاب إلى الأعلى