طب وصحة

بصمات عصبية تترجم «جودة النوم» إلى مؤشرات صحة نفسية

كريترنيوز /متابعات/ البيان /عماد الدين إبراهيم

 

في تحول جذري لفهم العلاقة بين النوم والصحة النفسية، حددت دراسة رائدة نُشرت في مجلة «PLOS Biology» العلمية المرموقة، خمسة أنماط متميزة للنوم، يرتبط كل منها ببصمات عصبية فريدة في الدماغ، مما يوفر أداة تشخيصية محتملة لاكتشاف الاضطرابات العقلية مبكراً.

 

ويشير هذا البحث، الذي قادته الدكتورة أورور بيرولت من معهد وولكوك للأبحاث الطبية في سيدني، إلى أن جودة النوم لا يمكن اختزالها في مجرد «المدة» أو «التقطع»، بل هي نسيج معقد من العوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية.

اعتمدت الدراسة على تحليل شامل لبيانات أكثر من 700 شاب يتمتعون بصحة جيدة، شملت قياسات النوم المفصلة، والحالة النفسية، والأداء المعرفي، إضافة إلى بيانات متقدمة للتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي للدماغ، والتي كشفت عن التنظيم الفريد للشبكات العصبية المرتبطة بكل نمط نوم.

 

الأنماط الخمسة

وقد تم تحديد الأنماط الخمسة على النحو التالي: «النمط الأول- حلقة مفرغة من سوء النوم والاضطرابات النفسية. يتميز هذا النمط بالإبلاغ عن سوء جودة النوم بشكل عام (صعوبة في الخلود إلى النوم، استيقاظ متكرر، عدم الرضا العام). يرتبط مباشرة بأعلى مستويات من الاكتئاب، والقلق، والتوتر، والمشاعر السلبية مثل الغضب والخوف. ويشير هذا النمط إلى وجود دورة متبادلة يفاقم فيها اضطراب النوم المشاكل النفسية. أما النمط الثاني فهو مرونة النوم والمعاناة الخفية وبه مفارقة مثيرة للاهتمام؛ حيث يبلغ الأفراد عن جودة نوم»جيدة«ظاهرياً دون شكاوى واضحة».

 

القدرة على التوجه للمكان

لكن بالرغم من النوم الجيد، يعاني الأفراد في هذه الفئة من مستويات عالية من المشاكل النفسية، لا سيما صعوبات الانتباه (شبيهة باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه)، والمشاعر السلبية المتكررة. يشير هذا إلى أن المشاكل النفسية قد تكون جذرية وغير مرتبطة بشكل مباشر بجودة النوم المبلغ عنها، ما يعكس «مرونة» معينة في النوم. فيما يتميز النمط الثالث بالاعتماد على الأدوية المنومة أو مساعدات النوم (سواء بوصفة طبية أو بدونها).

رغم أن هذه المجموعة أظهرت مستويات أعلى من الرضا الاجتماعي، إلا أنها دفعت ثمناً إدراكياً، حيث ارتبط النمط بتراجع ملحوظ في الذاكرة البصرية، والذكاء السائل، والقدرة على التوجه المكاني. هذا يثير تساؤلات جدية حول الآثار الجانبية طويلة المدى للاعتماد على هذه المساعدات.

 

الحرمان من النوم

أما النمط الرابع فيركز على تداعيات الحرمان من النوم ويتمحور بشكل رئيسي حول قصر مدة النوم (أقل من 6 إلى 7 ساعات). وارتبط هذا النقص في ساعات النوم بسلوكيات عدوانية أكبر، وضعف الأداء في المهام المعرفية، بما في ذلك المعالجة العاطفية واللغة.

فيما يركز النمط الخامس على اضطرابات الاستيقاظ والأعراض الذهنية يتميز بوجود اضطرابات في النوم مثل الاستيقاظ المتكرر أثناء الليل أو المعاناة من مشاكل تنفسية أو ألم. ويرتبط هذا النمط بارتفاع مستويات القلق، والتفكير الزائد، إضافة إلى أعراض ذهنية محتملة، ما يجعله مؤشراً مهماً للمخاطر الصحية العقلية.

 

طريقة تقييم الأطباء للنوم

ترى الباحثة الرئيسية، الدكتورة أورور بيرولت أن النتائج تمثل دعوة للعمل لتغيير طريقة تقييم الأطباء للنوم. وقالت: «آمل حقاً أن يُراعي الأطباء في تقييمهم السريري الأول أهمية النوم. لن يقتصر الأمر على مجرد سؤال: «كيف حال نومك؟ هل هو جيد أم سيئ؟» أو «كم من الوقت تنام؟»، بل سيطرحون أسئلةً أكثر». فبدلاً من الاكتفاء بالقياسات الكمية البسيطة، يمكن للأطباء الآن استخدام هذه الأنماط لتحديد «البصمة الكاملة» لنوم المريض، وربطها بشكل أدق بالمخاطر المعرفية والسلوكية، ما يمهد لتشخيص وعلاج أكثر دقة للأمراض العقلية التي تبدأ أعراضها أحياناً باضطراب في نمط النوم

زر الذهاب إلى الأعلى