تقارير وحوارات

محاذير ..”الانقسامات الحوثية”.. خطر يهدد أمن واستقرار المحافظات المحررة.. !

كريترنيوز / تقرير / محمود انيس

تشهد الساحة اليمنية تحوّلات متزامنة، عسكرية وسياسية واقتصادية أيضاً بشكل متسارع بالفترة الماضية، حيث إن هناك انشقاقات وخلافات داخلية في صفوف مليشيات الحوثي الإرهابية، وفق تقارير استخبارتية وإعلامية، بالتزامن مع تحركات المليشات لنقل الصراع إلى الداخل عبر استغلال خلايا نائمة في المدن والمحافظات المحررة، بالإضافة إلى حملات تحريضية لإضعاف المؤسسات المحلية بتلك المحافظات.
يأتي ذلك تزامناً مع الانقسامات الداخلية لدى المليشيا واستراتيجيات النخر الداخلي، مما يرفع مستوى الخطر على أمن واستقرار المحافظات الجنوبية المحرّرة إذا لم تتخذ السلطات الأمنية والعسكرية فيها إجراءات استباقية متكاملة.

خطط ودلالات:

انشقاقات وخلافات حوثية ونوايا خبيثة:

هناك انقسامات وانشقاقات ملموسة داخل صفوف مليشيات الحوثي الإرهابية إثر الضغوط العسكرية والسياسية الإقليمية، وبعد الضربات الإسرائيلية الأخيرة على الحوثيين واستهداف قيادتها، مما جعل الجميع يبحث عن فرصة للهروب من صفوف الجماعة بالانسحاب أو الانشقاق.
وتحدثت وسائل إعلام محلية وخارجية عن تلك الانقسامات في صفوف الجماعة، وآخرها كان انشقاق القيادي الحوثي الشيخ عبده أحمد عبده عوض، قائد السرية الثانية في ما يسمى باللواء السادس بجبهة الساحل الغربي. وسبقه بأيام انشقاق قائد اللواء العاشر “صمّاد” التابع لجماعة الحوثي، العميد صلاح الصلاحي.

خطاب وتحركات لإسقاط المدن المحرّرة من الداخل:

بعد أن فشلت مليشيات الحوثي في إسقاط المدن والمحافظات الجنوبية المحررة عسكرياً، لجأت إلى نقل المعركة إلى مستوى اجتماعي وسياسي داخل المدن المحرّرة، عبر زرع خلايا نائمة وافتعال فوضى واحتجاجات شعبية، مستغلة إخفاقات خدماتية، وحملات تشويه للسلطات المحلية.
كما ظهر قبل أيام القيادي الحوثي البارز محمد البخيتي، في تصريح، يؤكد خلاله بأن إسقاط المدن والمحافظات المحررة عسكرياً أمر مكلف، وإنما سيتم إسقاطها من الداخل، حسب زعمه، ما يؤكد خطتهم في إسقاط المدن عبر الخلايا النائمة واختلاق الفوضى.
وبعد يومين من تصريحات البخيتي، شهدت عدن أزمة حادة في الكهرباء وانقطاع كلي للخدمة، مما أدى لخروج الناس إلى الشارع، واستغل هذه الاحتجاجات بعض الأطراف لتنفيذ ما يهدفون له، إلا أنهم لم ينجحوا هذه المرة.

وعلى ذلك، فقد حذر مراقبون من إعطاء الفرصة لمن يريد خلق الفوضى مستغلاً الأزمات الذي يعاني منها الناس. وأشارت تقارير وتحليلات سياسية إلى استراتيجية الحوثي الجديدة في إسقاط المدن والمحافظات الجنوبية وغيرها من المحافظات المحررة.

انشقاق أم اختراق؟

معروف بأن هناك العديد من القيادات العسكرية والسياسية والأمنية الحوثية، التي سبق وأعلنت انشقاقها عن الجماعة في السنوات الأولى من الحرب، إلا أن هناك من تلك القيادات من يعلن الانشقاق، وبعد أن ينال ثقة قيادة الشرعية ويتولى مهاماً عسكرية أو سياسية، سرعان ما يقوم بالتخابر مع الحوثي، وبعضهم يعود إلى أحضان الحوثيين بعد الانشقاق عنهم، مما يدل على نجاحهم في اختراق الشرعية.

ولهذا، دعا مراقبون لأن يكون هناك تعامل مختلف مع من يعلن الهروب أو الانشقاق عن جماعة الحوثي، وذلك بأن يبقى تحت الرقابة والمتابعة وفق الإطار القانوني، وان لا يتولى أي مهام عسكرية أو سياسية طوال فترة الصراع، حفاظاً على أمن واستقرار المحافظات المحررة.
يذكر بأن هناك قيادات كتائب عسكرية حوثية سبق أن انضمت إلى قوات الشرعية في مأرب والحديدة، وبعدها أعلنت الانقلاب والهروب إلى حضن الحوثي بكل أسلحتهم وعتادهم.

تزايد ضبط الخلايا والتهديدات الهجينة:

خلال السنوات القليل الماضية نجحت السلطات الأمنية في المحافظات المحرّرة في ضبط خلايا نائمة ومخططات إرهابية، ما يؤكد وجود شبكة نشاط استخباراتي مستمر لمحاول استهداف القيادات والمنشآت الحيوية.
كما تمكنت الأجهزة الأمنية التابعة لإدارة أمن العاصمة عدن من إلقاء القبض، في 2 أكتوبر الجاري، على خلية تعمل على استقطاب الشباب في عدن للعمل لصالح الحوثيين. وقبلها في يوليو تم ضبط خلية حوثية تتكون من 7 أشخاص في العاصمة عدن أيضاً. وهناك خلايا حوثية أخرى عديدة تم إلقاء القبض عليها في عدن ومحافظات أخرى، وهناك جهود أمنية واستخباراتية كبيرة تبذل في العاصمة عدن وبقية المحافظات المحررة لرصد أي تحركات مشبوهة، وسيتم ضبط أي خلايا أو عناصر تحاول تعكير صفو الأمن والاستقرار والسكينة العامة.

مؤشرات الخطر.. بين الاغتيال والتفجير:

لا شك بأن الحوثيين يسعون للتنسيق مع الجماعات الإرهابية في الجنوب، وسبق أن قاموا بإطلاق سراح عدد من الإرهابيين من السجون للقيام بأعمال إرهابية في المحافظات المحررة. حيث أكدت تقارير استخباراتية وجود خلايا صغيرة ستقوم بتنفيذ اغتيالات وتفجيرات محدودة، أو هجمات على بنى تحتية خدمية بالتنسيق مع جماعات إرهابية.
وتأكيداً على ذلك، فإن العملية الإرهابية التي حدثت قبل أيام قليلة في منطقة المحفد بمحافظة أبين ضد القوات الجنوبية، جاءت بعد يومين من تصريحات القيادي الحوثي محمد البخيتي، الذي أكد بأن هناك جهوداً لإسقاط المدن والمحافظات المحررة من الداخل، حسب زعمه.

وسبق أن كشفت تقارير عن محاولات لإعادة تدوير عناصر متطرفة، أو تشكيل تحالفات تكتيكية مع فاعلين محليين لتنفيذ أعمال عنف هجينة عبر شن حملات إعلامية رقمية: تضخيم إخفاقات محلية، ونشر شائعات لزعزعة الثقة بالقيادات الأمنية والمدنية.

تقييم التهديد:

من المتوقع أن يوجه الحوثي خلاياه النائمة والعناصر الإرهابية المتعاونة معها بتنفيذ هجمات انتقائية على شخصيات محلية، منشآت خدمية، وعمليات اغتيال/ تفجير، لخلق ذعر سياسي وإداري، بالإضافة لتغذية نزاعات قبلية واجتماعية.

وحيال ذلك، فإنه يتطلب من القوات الأمنية والعسكرية في العاصمة عدن وبقية المحافظات المحررة، اتخاذ إجراءات عملية ومتكاملة، تتمثل في:

الجانب الاستخباراتي:

-تعزيز جمع المعلومات الميدانية والرقمية، ودمج معلومات الأجهزة الاستخباراتية المحلية، مع تحليل الشبكات الرقمية ورصد صفحات التحريض الإعلامي، والشبكات المالية، لإنشاء خرائط خلايا نائمة ونقاط تجمع.
-نظام مبكر للإنذار، بالإضافة لوحدات مختصّة لتحليل الإشارات (SIGINT/OSINT)، مع بروتوكولات تدوير معلومات سريعة للقادة الميدانيين.
-العمل على تفعيل الاستخبارات البشرية (HUMINT)، وذلك بتكثيف العمل مع مصادر محلية مثل مشايخ وقوى مجتمعية وموظفين مدنيين، لاختراق شبكات التجنيد وإحباطها قبل التنفيذ.

عملياتية وميدانية:

-استهداف الخلايا النائمة بدقة في عملية استباقية، وذلك عبر الاعتقالات والاشتباكات المخططة، مع ضمان حماية المدنيين، واتباع إجراءات قضائية سليمة لقطع شرعية المليشيا.
-حواجز ذكية ونقاط تفتيش متحركة، عبر استخدام دوريات غير نمطية ونقاط تفتيش متحركة في محاور حسّاسة، لتفكيك شبكات النقل والتمويل.
-حماية القيادات والمرافق الحيوية، ويأتي ذلك بتشديد الحماية عبر فرق خاصة لحماية المسؤولين والمدن الرئيسية والمرافق الخدمية كمحطات الكهرباء والمياه والمستشفيات.

تعزيز القانون واللوائح الأمنية:

وذلك عبر تحديث الأطر القانونية للملاحقة القضائية، وضمان وجود قوانين واضحة لمكافحة التجنيد والتمويل والتخابر مع جماعات مصنفة، بالإضافة إلى وجود عدالة جنائية فعّالة عبر محاكمات شفافة وسريعة للمتهمين، مع احترام حقوق الإنسان لقطع خطاب التجنيد الذي يستغل التجاوزات.

تنسيق إقليمي ودولي:

يتوجب على الحكومة والأجهزة الأمنية والعسكرية العمل على مشاركة استخبارية إقليمية، وتبادل بيانات حول خطوط تمويل ودعم لوجستي محتمل من الجهات الإقليمية أو الشبكات العابرة، بالاضافة للتعاون الأمني مع حلفاء محليين ودوليين: تدريبات مشتركة لبناء قدرات تفكيك الشبكات الهجينة.

ختاماً:
التهديد الناتج عن الانشقاقات في صفوف مليشيات الحوثي الإرهابية، مع استراتيجيات إسقاط المدن المحرّرة من الداخل، يتطلب استجابة أمنية شاملة، ليست فقط عسكرية، بل استخباراتية، مجتمعية، قانونية وخدمية في آنٍ واحد.
النجاح يعتمد على سرعة تجميع المعلومات وربطها بخطوط تنفيذية دقيقة، وحشد المجتمع المحلي لإحداث اختلال في قدرات الخلايا النائمة على العمل. في غياب هذه الاستجابة المتكاملة، يتحول ما هو تهديد متقطع إلى خطر بنيوي يهدد استقرار المحافظات المحرّرة على المدى المتوسط والبعيد.

زر الذهاب إلى الأعلى