مقالات وآراء

التعليم ركيزة أساسية في المجتمعات الفقيرة

كتب: الشيخ أمين الأميني

في كل تجارب النهضة التي عرفها التاريخ، كان التعليم هو البذرة الأولى التي أنبتت شجرة التقدم، والركيزة التي قامت عليها الأمم من ركام الفقر والجهل والاضطراب.

فليس الأمن وحده ما يبني الدولة، بل التعليم هو الذي يمنحها المعنى، والاتجاه، والقدرة على النهوض من جديد.

في المجتمعات الفقيرة، يُنظر إلى التعليم أحياناً على أنه ترف أو عبء مالي، بينما هو في الحقيقة مشروع حياة، بل أهم مشاريع الدولة والمجتمع. فحين تغيب الرؤية التعليمية المتكاملة، تتعطل كل محركات التنمية الأخرى، والجهات الحكومية التي لا تدرك أن التعليم والأمن جناحان متوازيان لبناء الدولة، هي جهات لا تمتلك مشروعاً حقيقياً للنهوض، بل تكتفي بإدارة الأزمات لا تجاوزها.

لا يمكن اختزال التعليم في مبنى أو كتاب، فهو منظومة متكاملة تبدأ بالمعلم وتنتهي بالمجتمع.

المعلم هو القائد الأول في معركة الوعي، يحتاج إلى تأهيل مستمر، وتقدير معنوي ومادي يليق بدوره.

التلميذ هو محور العملية التعليمية، يجب أن يجد في مدرسته بيئة جاذبة، ومناهج تفتح أمامه أبواب الإبداع لا الحفظ فقط.

البيئة التعليمية تشمل البنية التحتية، والتقنيات، والأنشطة التي تغذي العقل والروح معاً.
فإذا اختلّ أحد هذه الأركان، تهاوت العملية كلها مهما كانت النوايا طيبة، فقي قانون العمل لا تكفي النيات الطيبة حال افتقار الشخص للقدرة والكفاءة.

كثير من الدول الفقيرة سابقاً — مثل كوريا الجنوبية وماليزيا وسنغافورة — جعلت التعليم محور سياساتها، فانتقلت خلال عقود قليلة من دول نامية إلى مراكز عالمية في الاقتصاد والتقنية، السر لم يكن في المال، بل في الإيمان بأن الاستثمار في العقل البشري هو الاستثمار الأجدر والأبقى وهذا هو ما جلب المال لاحقا.

في المجتمعات التي يطغى فيها الفقر، قد يبدو التعليم ترفاً، لكنه في الحقيقة طريق الخلاص الوحيد. فالمعركة الكبرى ليست فقط ضد الجوع أو المرض، بل ضد الجهل الذي يولّد كليهما.
وإذا لم يكن التعليم أولوية وطنية إلى جانب الأمن، فإن كل حديث عن بناء الدولة سيبقى مجرد شعارات على ورق.

زر الذهاب إلى الأعلى