تقارير وحوارات

في ظل استمرار توقف رواتب الموظفين.. تفاؤل الشارع الجنوبي بحكومة بن بريك بدأ يتلاشى.. جنوبيون: بن بريك أتقن سياسة العصا والجزرة وتسويق الوهم

كريترنيوز/ تقرير

لا أحد يعلم بما يدور في مخيلة الأستاذ سالم بن بريك، رئيس وزراء حكومة الشرعية اليمنية. لذا، ليس من السهل الكشف عن نواياه، ولكن سلوكه وأفعاله الظاهرة قد تظهر بعضاً من توجهاته. فهو، بحسب مختصين، رجل غامض، متردد وخائف من الظهور على صدارة المشهد، دون الحصول على ضمانات ودعم كافٍ لإنجاح مشروع الإصلاحات الاقتصادية والنقدية التي يتبناها.

ويرى آخرون أن الرجل تورط، اكتشف أنه قد أوقع نفسه وسط مستنقع عفن، شبكات فساد داخلية مرتبطة بالخارج تحيط به يصعب تفكيكها، تديرها رؤوس كبيرة، وليس لديه القدر الكافي من الشجاعة الذاتية لمواجهة ودحر تلك الهوامير.

فيما آخرون يرون أن الرجل ليس جديداً على العمل، بل مسؤول قديم و(بموقع سيادي)، حيث كان يشغل منصب وزير المالية، ولديه القدر الكافي من المعلومات حول ظاهر وباطن الوضع، وأيضاً تربطه علاقات شخصية مع نظرائه المسؤولين في حكومات الشرعية الفاسدة، ولديه إلمام كبير بأوضاع الموظفين المدنيين والعسكريين، وعامة الشعب، ولديه نظره ثاقبة تميزه عن الغير، اكتسبها من خلال ممارسة عمله، ومن خلال الاجتماعات الرسمية مع القيادات، ومن خلال أوامر الصرف المالي التي كانت تصله. فموقعه كوزير للمالية يعطيه إلمام كبيرة بمكامن الفساد، ومن موقعه الحالي كرئيس للحكومة يستطيع إزالته، إن كانت لديه نوايا صادقة وكان يمتلك القدر الكافي من النزاهة.

ناشطون آخرون يرون ان الرجل لن يرضى لنفسه شغل منصب وزير للمالية ضمن حكومات (معين وبن مبارك) الغارقات بالفساد، إن كان نزيهاً حقًا، لن يسكت وهو يشاهد الفساد بأم عينيه. لن يستمر، بل سيقدم استقالته على أقل تقدير، مشيرين إلى أن الشخص النزيه لا يتدرج إلى المناصب العليا وسط مستنقع فساد، وأن أوضاع البلد القائمة على الفساد لا تقبل المسؤول النزيه. (معادلة صعبة) تطرح تساؤلات: كيف لمسؤولين فاسدين الإجماع على تعيين رجل نزيه مسؤولاً عليهم؟ ألا يخافون أن يكشف أسرارهم؟

نجاح السياسة النقدية مرهون بتجويع الموظفين (العصا والجزرة):

في سياق البحث عن الحقيقة، وللحصول على إيضاحات تزيل الغموض عما يحدث، أكد ناشطون جنوبيون أن رئيس الوزراء الأستاذ سالم بن بريك رجل متمرس، فاهم قواعد اللعبة السياسية والإدارية والمالية، وحتى الشعبية، (أتقن كيفية امتصاص غضب الشارع)، اتقن سياسة السهل الممتنع، تسويق الوهم (تسويق السراب) لإطال أمل الناس في حدوث انفراجة، ومارس مع موظفي الحكومة المساكين سياسة (العصا والجزرة)، وكانت البداية صرف راتب شهر كل شهرين، ثم صرف راتب شهر كل 3 أشهر، ثم صرف راتب شهر كل أربعة أشهر، وهكذا رفع سقف التجويع التدريجي. فـ(نجاح السياسة النقدية مرهون بإيقاف الرواتب) حتى لا تتكدس العملة المحلية في الأسواق وتعاود الانهيار مجدداً.

بمعنى آخر، تحقيق إنجازات أو نجاحات محدودة، ولكن على ظهور الموظفين وعامة الشعب، وليس على حساب تطهير مرافق الدولة وأوعيتها المالية من الفاسدين، وبإلزام الجميع التوريد المالي إلى البنك المركزي عدن.. مؤكدين أن قرارات بن بريك غير نافذة، فاختار الطريق الأسهل بالركوب على ظهور الطبقات الكادحة، وتجنب الصدام مع طبقات الفاسدين رغم عددهم القليل.

اقتصاديون أكدوا أن خزينة الدولة مشحونة بالمال، وأنه لا يوجد أي عجز في السيولة النقدية، بل هناك فائض، ولكن الحكومة ومركزي عدن لا يريدان صرف الرواتب حتى لا تغرق السوق بالعملة المحلية، كون ذلك سيؤدي إلى تكدسها و انهيارها مجدداً أمام العملات الأجنبية (وفق سياسة العرض والطلب)، لاسيما وأن هناك أطرافاً تترصد وتترقب لتنقض على العملة حال نزولها إلى الأسواق بكميات كبيرة، كونها تمر بحالة نقاهة في الوقت الراهن، ولا توجد عملات أجنبية “دولارات” بمركزي عدن تحافظ على استقرارها، لذا يصبح من السهل استهدافها حال نزولها بكميات كبيرة.

ذلك بمثابة تأكيد ودليل على أن بريك اختار الركوب على ظهور الطبقات الكادحة، لتحقيق نجاح مصفوفة إصلاحاته النقدية، باعتماده سياسة تجفيف السوق المحلية من العملة المحلية لرفع قيمتها وتحريرها من سياسة (التعويم)، وفي المقابل تكديس وتعويم العملات الأجنبية للتحكم في سعرها.

تفاؤل الشارع الجنوبي بحكومة بن بريك بدأ يتلاشى:

تفاؤل الشارع الجنوبي بحكومة بن بريك بدأ يتلاشى، بل وصل بالبعض إلى حد التشاؤم منه، في ظل استمرار معاناة الرواتب والانقطاع المطول للكهرباء، (8 ساعات انطفاء تقابلها ساعتان تشغيل) لعدة أشهر، وتوقف لأكثر من 4 أشهر للراتب الشهري، وعودة الارتفاع التدريجي للأسعار.
شرائح مجتمعية تتساءل: إلى متى يستمر بن بريك في تمرير هكذا سياسة على حساب الموظف والمواطن؟ وإلى متى يظل عاجزاً عن إلزام جميع الجهات بالتوريد إلى مركزي عدن، بما فيها محافظة مأرب اليمنية الغنية بالنفط والغاز؟ وإلى متى يظل عاجزاً عن تطهير الحكومة من رموز الفساد، رغم حصوله على تفويض وصلاحيات كاملة من قبل المجلس الرئاسي؟

مراقبون يرون أن الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي تحولا إلى كيانات شكلية، تفتقر للفاعلية والقرار الموحد، في ظل صراعات داخلية وتنازع نفوذ بين المكونات المختلفة.. مؤكدين أن الشرعية اليمنية باتت كيانًا منقسمًا على ذاته؛ حكومة يتقاذفها الخارج وتتجاذبها الولاءات والانتماءات السياسية الداخلية، ومجلس قيادة عاجز عن إدارة التوازنات داخل وخارج هيكله، وبرلمان منقسم، حوثي شرعي، لا يستطيع لمّ شتاته. وكل ذلك يدفع بالبلاد نحو مزيد من الابتعاد عن الحلول الجذرية المتفق عليها، والفوضى المسيسة.

وزارة الخدمة المدنية تضع حداً للازدواج الوظيفي:

في سياق الحد من الفساد والمساعدة على إنجاح مصفوفة الإصلاحات الاقتصادية والنقدية، أصدرت وزارة الخدمة المدنية والتأمينات، مطلع الأسبوع الجاري، تعميمًا إلى كافة فروعها في المحافظات المحررة، دعت فيه إلى الإسراع في استكمال إدخال بيانات الازدواج الوظيفي، والتشابه، والاستقالات الوظيفية ضمن النظام الآلي للوزارة، وذلك خلال فترة لا تتجاوز عشرة أيام من تاريخ التعميم.

وأكدت الوزارة أنها ستتخذ إجراءات صارمة بحق المتخلفين، من ضمنها إيقاف صرف مرتبات الموظفين غير المستكملين لإجراءات المطابقة، أو الذين لم يقدموا استقالاتهم من الوظائف المزدوجة، اعتبارًا من شهر نوفمبر 2025م.
كما شددت على أنه سيتم تنزيل مرتبات المخالفين بشكل نهائي من كشوفات شهر ديسمبر 2025م، في خطوة تهدف إلى تعزيز الانضباط الوظيفي وإنهاء حالات الفساد والازدواج المالي في القطاع الحكومي.. داعية جميع الجهات المعنية إلى الالتزام الصارم بالتوجيهات، لتفادي أي إجراءات عقابية أو انقطاع في المستحقات المالية.

ناشطون جنوبيون أشادوا بالوزير الدكتور عبد الناصر الوالي وزير الخدمة المدنية، مؤكدين نزاهته ووقوفه الصادق إلى جانب الإصلاحات الاقتصادية، وجهوده المبذولة للانتصار لقضية الموظفين، مطالبين بقية الوزراء بالحذو حذوه.

بن بريك في قطر ومنها إلى الكويت ثم العاصمة عدن:

في سياق جولاته الخارجية، أفادت مصادر إعلامية جنوبية بأن رئيس الوزراء سالم بن بريك شد رحاله إلى العاصمة القطرية الدوحة، وذلك للمشاركة في القمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية، التي تنعقد خلال الفترة من 4 إلى 6 نوفمبر الجاري 2025م. وبحسب المصادر، سيجري بن بريك مباحثات اقتصادية فيما يخص الكهرباء ومواضيع اقتصادية أخرى. وعقب انتهاء القمة، من المتوقع أن يتجه إلى دولة الكويت، وبعد ذلك سيعود إلى العاصمة عدن لمباشرة مهام عمله.

وأكدت المصادر أن سالم بن بريك سيعود إلى العاصمة عدن، بعد الاتفاق مع المجلس الرئاسي وسفراء الرباعية لاستكمال عملية منحه كافة الصلاحيات اللازمة. وأفادت بأن بن بريك قد وجه كل المرافق الحكومية بالتوريد إلى البنك المركزي بالعاصمة عدن، وأنه سوف يحيل المخالفين إلى النيابة والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة. ولم يتم التحقق من مدى استجابة تلك المرافق من عدمه.
وبحسب المقولة الشعبية (ساير الكذاب إلى باب بيته)، ونتمنى من صاحبنا أن يكون صادقاً.

زر الذهاب إلى الأعلى