منازل في أعماق البحار.. البشرية تقترب من تأسيس أول مجتمع تحت الماء

كريترنيوز /متابعات /البيان /رضا أبوالعينين
تستعد شركة بريطانية متخصصة في التكنولوجيا البحرية لإطلاق أول موطن تحت الماء مُهيأ لإقامة البشر لفترات طويلة، في خطوة تُعد الأكبر من نوعها منذ تجارب المستكشف الفرنسي جاك إيف كوستو في ستينات القرن الماضي.
المبادرة الجديدة، التي تقودها شركة DEEP، تهدف إلى تمكين العلماء والباحثين من العيش والعمل على قاع البحر لأسابيع، ضمن مشروع يفتح فصلا جديدا في استكشاف المحيطات.
وتأتي هذه الخطوة بعد عقود من الاكتفاء بالأبحاث القصيرة والغوص المحدود، فمع تطور التقنيات الحديثة، تسعى DEEP إلى إنشاء شبكة عالمية من المساكن البحرية بحلول عام 2030، توفر بيئة آمنة ومريحة للبعثات العلمية ورصد النظم البيئية التي يصعب مراقبتها من السطح، وفقا لـ ديلي جالكسي.
وتقود الشركة المشروع عبر منصتين رئيسيتين هما Vanguard، التي تُعد النموذج الأكثر نضجا، وSentinel، التي تمثل الجيل التالي الأكثر قدرة على دعم المهمات الطويلة والعميقة.
ويتيح مسكن Vanguard إقامة أربعة أفراد لمدة لا تقل عن سبعة أيام على عمق يصل إلى 50 مترا، مع توفير الطاقة والهواء والاتصالات عبر عوامة سطحية مخصصة، كما يضم حوضا بحريا يتيح للغواصين الدخول والخروج مباشرة من قاع البحر.
وتتميز الوحدة بهيكل مصنوع بتقنية الطباعة المعدنية المتقدمة WAAM، التي تعتمد على إضافة المعدن في المناطق الأكثر حاجة للدعم الهيكلي، ما يقلل الهدر ويعزز الكفاءة.
كما يُعد Vanguard أول مسكن بحري يحصل على تصنيف من هيئة DNV الدولية، ما يمنحه إطارا رسميا للسلامة التشغيلية.
أما منصة Sentinel، فتُعد قفزة أوسع في المشروع، إذ يمكنها استيعاب ستة أفراد لمدة تصل إلى 28 يوما وعلى عمق يصل إلى 200 متر، وتمتاز بتصميم معياري مرن يعتمد على مكونات مطبوعة ثلاثيا، ما يسمح بإعادة تشكيل الوحدة بسهولة لتناسب مختلف المهمات العلمية والبحثية، كما تضم نوافذ بانورامية واسعة تمنح الباحثين قدرة أكبر على مراقبة الحياة البحرية واكتشاف الظواهر غير المتوقعة.
ويقول خبراء إن هذه التطورات تمثل عودة قوية للرؤية التي سعى إليها كوستو قبل أكثر من ستة عقود، حين أطلق سلسلة بعثات “Précontinent” التي كانت أولى تجارب السكن في قاع البحر، وبينما توقفت تلك الأبحاث بسبب محدودية التكنولوجيا، فإن التطور الصناعي الحالي يتيح إحياء الفكرة بأسلوب أكثر أمانا واستدامة.
ورغم أن الشركة تروج لهذه المساكن باعتبارها أدوات للبحث وحماية البيئة البحرية، فإن توسع البنى التحتية تحت الماء يثير نقاشا متزايدا حول الأطر التنظيمية والبيئية اللازمة لضمان عدم الإضرار بالنظم الحساسة في أعماق البحار، خصوصا في ظل الجهود الدولية لحماية التنوع البيولوجي في المناطق البحرية خارج الولاية الوطنية.
وتشير تقديرات متخصصين إلى أن هذه المساكن قد تغيّر مستقبل العمل البحري، وتفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الاستكشاف البشري المباشر في أعماق المحيطات.