خطر متصاعد.. بقعة مغناطيسية “رخوة” تتمدد فوق الأرض

كريترنيوز/ متابعات /أحمد الشنقيطي
حذّر علماء فضاء من ظاهرةٍ مقلقة تتمدّد بهدوء فوق جنوب المحيط الأطلسي، حيث تتراجع قوة المجال المغناطيسي للأرض في منطقةٍ باتت تُعرف باسم “الشقّ الجنوبي للأطلسي”، وهي البقعة التي وصفها الخبراء بأنها “أضعف” درعٍ مغناطيسي يحمي كوكبنا من الإشعاعات الكونية.
ويؤكد باحثون من وكالة الفضاء الأوروبية أن هذه المنطقة “الرخوة” آخذة في الاتساع بوتيرةٍ غير مسبوقة، ما قد يُعرّض الأقمار الاصطناعية وروّاد الفضاء لمستوياتٍ أعلى من الإشعاع، خصوصاً عند عبورهم فوقها.
الدراسة التي نُشرت في مجلة “فيزياء الأرض”، كشفت أن حجم المنطقة الضعيفة تضاعف تقريباً خلال السنوات العشر الماضية، وفق بيانات الأقمار الاصطناعية الثلاثة “سوارم”، المخصّصة لرصد المجال المغناطيسي للأرض.
وقال البروفيسور كريس فينلاي من جامعة كوبنهاغن التقنية، المشرف على الدراسة: “المنطقة الضعيفة في جنوب الأطلسي استمرت في الاتساع منذ عام 2014، وهي الآن تغطي مساحة توازي نصف قارة أوروبا. هذه التغيّرات تؤكد أن درع الأرض المغناطيسي ديناميكي ومتقلب باستمرار”.
ويشير العلماء إلى أن السبب الرئيس وراء هذه الظاهرة يكمن في حركة الحديد المنصهر داخل نواة الأرض على عمق يقارب ثلاثة آلاف كيلومتر، وهي الحركة التي تولّد المجال المغناطيسي للكوكب. إلا أن التغير في اتجاهات هذه التيارات المعدنية يُحدث اضطراباتٍ تؤدي إلى اختلال توازن الحقل المغناطيسي في بعض المناطق.
تتجاوز خطورة هذه الظاهرة الجانب العلمي، إذ تشكّل مشكلة حقيقية للأقمار الاصطناعية التي تدور في المدار الأرضي المنخفض، إذ تمرّ من حينٍ إلى آخر فوق هذه المنطقة الضعيفة.
ويشرح فينلاي: “عندما تعبر الأقمار الصناعية منطقة الضعف، تتعرّض لجرعاتٍ أكبر من الجسيمات المشحونة القادمة من الشمس، ما قد يؤدي إلى تعطّل أنظمتها الإلكترونية أو تلف بياناتها”.
وليس الأمر محصوراً بالأقمار فقط؛ فـروّاد الفضاء في محطة الفضاء الدولية يمرّون أحياناً عبر المنطقة ذاتها، حيث ترتفع مستويات الإشعاع إلى حدودٍ قد تُهدّد سلامتهم على المدى الطويل، خصوصاً فيما يتعلق بتلف الحمض النووي وزيادة احتمالات الإصابة بالسرطان.
ويؤكد العلماء أن نطاق الضعف يتسع بسرعة، ما يعني أن مزيداً من الأقمار الاصطناعية والمهمات الفضائية سيواجه هذا الخطر مستقبلاً، داعين إلى تصميم مركبات أكثر تحمّلاً للإشعاع استعداداً للسنوات القادمة.
إنذار
ورغم القلق، يوضح الباحثون أن هذه الظاهرة لا تعني أن الأرض على وشك انقلابٍ مغناطيسي شامل (أي تبادل القطبين الشمالي والجنوبي)، بل تمثل تذبذباً طبيعياً طويل الأمد في قوة المجال المغناطيسي ناجماً عن ديناميكية باطن الأرض.
تُظهر بيانات “سوارم” أن منطقة جنوب الأطلسي تضعف تدريجياً، بينما تزداد قوة المجال المغناطيسي فوق مناطق أخرى مثل كندا وسيبيريا، في توازنٍ مستمرّ بين الضعف والقوة على سطح الكوكب.
ويؤكد العلماء أن مواصلة المراقبة الدقيقة لهذا المجال تعدّ ضرورة قصوى، ليس فقط لفهم حركة باطن الأرض، بل أيضاً لحماية البنية التحتية الفضائية العالمية، وضمان أمن رحلات الإنسان المستقبلية إلى الفضاء.
يبدو أن درع الأرض المغناطيسي، الذي كان يوماً حصناً صامتاً يحمينا من فيض الإشعاعات الكونية، يشهد اليوم تحوّلاتٍ مقلقة تكشف هشاشته أمام تقلبات باطن الكوكب. وبينما تبقى الأرض آمنة في المدى القريب، يرى العلماء أن العقود المقبلة تتطلب يقظةً علمية وتكنولوجية أكبر لضمان بقاء هذا الدرع فاعلاً في مواجهة كونٍ لا يهدأ.