دولية

الدعم الأمريكي لتايوان يتزايد.. هل تدخل العلاقات مع الصين مرحلة أكثر توتراً؟

كريترنيوز/ متابعات /البيان/القاهرة

تدخل العلاقات الأمريكية – الصينية مرحلة جديدة من التوتر المدروس، مع تحول واشنطن من خطاب ردع تقليدي إلى خطوات عملية تعزز موقع تايوان كونه عنصراً محورياً في موازين القوى الإقليمية. صفقات تسليح متسارعة، اتفاقيات أمنية مباشرة، وتوسيع التعاون التكنولوجي تعكس سياسة أمريكية قائمة على «الدعم الممنهج» للجزيرة، بما يتجاوز مجرد الرسائل السياسية التقليدية. هذا التحرك يفتح فصلاً جديداً في التنافس بين القوتين، إذ تراقب بكين من كثب أي تغيير في ميزان القوى الإقليمي، وتعيد حساباتها بشأن البيئة الأمنية في المحيط الهادئ.

ويرى خبراء العلاقات الدولية أنّ الولايات المتحدة دخلت مرحلة استراتيجية جديدة في تعاملها مع الملف الصيني عبر تعزيز ارتباطها الأمني مع تايوان، في تحول يعدونه الأكثر عمقاً منذ عقدين.

فبعد سنوات اتسمت بالحذر والضبط الدبلوماسي، تتجه واشنطن اليوم نحو «دعم ممنهج» لتايوان، يتجاوز الرسائل السياسية التقليدية إلى خطوات عملية تشمل صفقات تسليح، وتعاوناً دفاعياً وتقنياً طويل المدى، واتفاقيات تجارية مباشرة.

تنافس

في الأشهر الأخيرة، اتخذت واشنطن سلسلة قرارات تُظهر هذا التحول بوضوح، من بينها الموافقة المبدئية على بيع قطع غيار لطائرات مقاتلة لـ«تايبيه» بقيمة تقارب 330 مليون دولار، إلى جانب تفاهمات أمنية تشمل التدريب العسكري وتبادل المعلومات ورفع جاهزية الدفاع الجوي. ويرى المحللون أن هذا السلوك الأمريكي يمثّل خروجاً فعلياً عن الخطاب الدبلوماسي التقليدي الذي التزمت به إدارات سابقة، ويفتح الباب أمام فصل جديد من التنافس الأمريكي ـ الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

ويضع الخبراء هذا التحول في سياق مزيج من الحسابات الاستراتيجية والبراغماتية. فمن جهة، تسعى واشنطن إلى تعزيز قدرة تايوان على الردع باعتبارها حلقة محورية في أمن صناعة الرقائق العالمية، وهو قطاع ترى فيه الولايات المتحدة مفتاح التفوق التكنولوجي والعسكري للسنوات المقبلة.

ومن جهة أخرى، تستخدم واشنطن هذا الملف أداة تفاوضية داخل نطاق علاقتها الاقتصادية المعقدة مع الصين، في وقت تتصاعد فيه تقديرات استخباراتية تتحدث عن احتمالات عمل عسكري صيني تجاه تايوان خلال العقد القادم.

في المقابل، لم تتأخر بكين في التعبير عن استيائها من القرارات الأمريكية، إذ عدّت أي دعم عسكري لتايوان يمثل «انتهاكاً صارخاً» لمبدأ الصين الواحدة وتجاوزاً لخطوطها الحمراء.

توتر

يقول د. مهدي عفيفي، خبير العلاقات الأمريكية، في تصريحات خاصة لـ«البيان» إن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين تعيش واحدة من أكثر مراحلها توتراً منذ سنوات، رغم محاولات بعض الإدارات الأمريكية تقديم صورة مغايرة.

ويؤكد أن جذور هذا التوتر تعود إلى الرئيس دونالد ترامب، عندما بدأت واشنطن فرض رسوم جمركية واسعة على البضائع الصينية، وهو ما فتح الباب أمام مسار طويل من العقوبات المتبادلة.

ويضيف أن إبرام الولايات المتحدة صفقات عسكرية جديدة مع تايوان سيزيد -بلا شك- من حدة التوتر مع بكين، لكنه يرى أن الصين -بحكم منهجها السياسي- تميل إلى التعامل مع هذه التحولات بنَفَس طويل.

ويؤكد أن بكين تدرك حجم المصالح الاقتصادية المشتركة، خصوصاً أن السوق الأمريكي يستهلك نحو 35 % من إجمالي ما تنتجه الصين، ومنها البضائع عالية الجودة التي تعتمد عليها الشركات الصينية بشكل كبير.

ولذلك، يتوقع د. عفيفي أن تستمر الصين في الردّ بصورة محسوبة تتجنب فيها الإضرار بعلاقاتها التجارية الحيوية مع الولايات المتحدة.

ويؤكد عفيفي أن الصين تتحرك على مسارات عدة لفرض نفوذها الدولي، سواء في أفريقيا أو أمريكا الجنوبية أو جنوب شرق آسيا، في إطار استراتيجية طويلة المدى تهدف إلى خلق توازن أمام الهيمنة الأمريكية.

تحليلات متوازية للخبراء تؤكد أن التحول الأمريكي تجاه تايوان لا ينفصل عن الحسابات الجيوسياسية المرتبطة بصعود الصين السريع، خصوصاً في القطاعات التكنولوجية الحيوية. ويعد الخبراء «التنافس التكنولوجي» يشكل الحلبة المركزية للصراع، في حين تمثل الصفقات العسكرية مظهره الأكثر وضوحاً.

3 سيناريوهات

وتشير تقديرات الخبراء إلى ثلاثة سيناريوهات محتملة لمسار المرحلة المقبلة: الأول يتمثل في تصعيد تدريجي يشمل توسيع الوجود العسكري الأمريكي في المحيط الهادئ، الثاني في تعميق التعاون الدفاعي مع تايوان ليشمل الدفاع السيبراني وتطوير قدراتها الصاروخية، أما الثالث فيتمثل في عودة الحوار الاستراتيجي بين واشنطن وبكين إذا أدركت الأخيرة أن كلفة التصعيد تفوق مكاسبه.

تعاون ليس بالجديد

في سياق متصل، يقول حازم الغبرا، خبير السياسة الدولية والمستشار السابق بوزارة الخارجية الأمريكية، في تصريحات خاصة لـ«البيان» إن صفقة السلاح الأخيرة لتايوان، والبالغة قيمتها 330 مليون دولار، تمثل أولى صفقات التسلح في عهد ترامب الجديد، لكنها في جوهرها ليست حدثاً طارئاً أو مفاجئاً، بل امتداد طبيعي للتعاون العسكري التقليدي بين واشنطن وتايبيه.

ويؤكد أن الولايات المتحدة دأبت على إبرام صفقات تسليح دورية مع تايوان، وأن ردود الفعل الصينية الغاضبة التي تتكرر مع كل صفقة ليست بالأمر الجديد أيضاً.

زر الذهاب إلى الأعلى