مقالات وآراء

أحرّ التعازي

[su_post field=”post_date”][su_spacer size=”10″]

كتب/
ماجد الطاهري
كاتب جنوبي

كلمة صارت مألوفة لدينا، اتذكر زمناً ليس ببعيد كان إذا نزلت بنا مصيبة الموت وغادر دنيانا شخصٍ قريب أو صديق أو معروف ، كنا نستشعر الفاجعة ونعيش الحزن بوجداننا الصادقة، كنا نَحسُّ بحجم مصيبة الأهل بفراق عزيزهم ، نذهب لنواسيهم ونخفف من معاناتهم ، واتذكر أنه كان يتعدى الحزن محيط بيت الفقيد ليتجاوز القرية والقرى المجاورة، تتوقف الأفراح، وتقفل شاشات التلفزيون و لسماع نشرة الأخبار من BBC يخفظ صوت المذياع،
أذكر أنه كان لوقع الموت مهابةً في النفوس، وتذكيراً بالآخرة…
ثم ما الذي تغير فجأة؟
حلّت علينا الكوارث وفتكت بأرواحنا الحروب وداهمتنا الأمراض، آجتمعت كل الخطوب لتخطف منّا كل عزيز، حتى ألفنا الموت، ولم نعد نكترث به، لقد أضحى مجرد خبر عاجل وسبقٍ صحفي، حتى أنّه أصابنا الضجر من كثر الذهاب لتقديم واجب العزاء لأسر الضحايا، وأكتفينا بإرسال برقيات التعازي عبر وسائل التواصل الإجتماعي وعبر الخاص والعام ، ثم صرنا في مرحلةٍ لم يعُد بمقدورنا الإستمرار أكثر في كتابة برقيات التعازي من كثرة ألأخبار اليومية الواردة عن الوفيات والشهداء، وقد نكتفي بإرسال كلمتين فقط(الله يرحمه) ثم نمضي في سبيل حالنا نقلب في قرآءة المزيد من الأخبار العاجله، أو نستمع للموسيقاء والزوامل، أو قد نقيم الولائم والأعراس وكأن شيئاً لم يكن ..

قساوة القلوب،والإستئناس بمصيبة الموت،وعدم الإكتراث بخسارتنا لمن حولنا من الأحباب والأصدقا، وعدم تقديسنا للحياة ، هو بمثابة كفر النفس بواقع الحال، ومحاولة إجبارها وتطويعها على بناء علاقة من نوعٍ آخر مع الموت، علاقة مغايرة للمهابة والخوف وإحيا طقوس الأحزان والتعبير عن أحر وأصدق التعازي، بل أصبحت علاقة أُلفةٍ، ومودة، وفرح، وفخر، وبحث عن الفوائد من ما خلف الميت من التركات والميراث…

وقد يأتي وقتٌ على الإنسان في زمن فتنٍ وبلايا أشد يتجاوز فيها مرحلة الألفة مع الموت لتنقلب إلى مرحلة إستجداء واستعطاف الموت الشفقة هرباً من بؤس وشقاء الحياة ..
تلك الحياة التي صارت موحشة،وغادرة، ومحزنة ومظلمة ليس أنّها تغيرت أو إختلفت وتبدلت عمّا كانت بطبيعة الحال بل لأن طبائع البشر هي المتغيرة …

والزمن ما تغير بس أهل الزمن متغيرين…

زر الذهاب إلى الأعلى