مقالات وآراء

الهروب من الحقيقة

[su_post field=”post_date”][su_spacer size=”10″]

كتب/
ماجد الطاهري
كاتب جنوبي

جُبِلت النفس البشرية على التعلق بحبال الرجاء والأمل ولو كانت في حالٍ من البؤس والشقاء وهو ما يعني تشبثها غريزةً بالبقاء ورغبتها بحياةٍ مثالية حتى ولو كانت مجرد أحلاماً وردية ينسجها العقل الباطن من وحي الخيال ، لإن إنقطاع حبال الأمل على جدار اليأس يُعدّ بمثابة الإحباط والتسليم بالفشل و الإستسلام لمصيرٍ مظلمٍ وقاسي يُخيّلُ للإنسان فيها أن الموت هبةٌ إلهيةٌ، ومنحةً ربانيةً لكل المثلقين المتعبين والمظلومين من البشر …

وقد قِيل ليس من الصعب أن تعثر على الحقيقة ولكن المشكلة الكبرى هي ألا تحاول الهروب منها إذا وجدتها ، وقد يتحاشا بعضنا مصادمة الحقيقة خوفاً من الواقع الأليم والكابوس المخيف الذي تلبّس بإفكارنا وأقلق مضاجعنا ….

وهنالك صُفوةٌ من الناس وهم قِلّة يرون أن أقصر السبل إلى حل المشاكل هو المواجهة والوضوح حتى وأن كان ذاك الوضوح مؤلماً لكنه أقل ضرراً من التجاهل ، وهذه الصفوة تتحلى بقدر كبير من الشجاعة والجرأة والإقدام وهي عوامل قد يُجنى بها ثمار الفوز والنجاح والنصر وقد تضع أصحابها في مرمى الخصوم فيهلك بسببها الكثير منهم ، ولكنهم يحبذون موت الشجعان على حياة الجبن والهروب والتفاؤل الزائف ، وهنالك وجهة نظر للكاتب الكبير غسان كنفاني يرى فيها أن التشاؤم هو الشجاعة ؟ وأن التفاؤل هو كذب وهروب وجُبن؟ قائلاً إذا كانت الحياة سيئة فلماذا نواصل الأمل بها …

قد نلاحظ الكثير منّا كالمجانين المتسولين المتشردين والتائهين المتوسلين ونحن نطرق ابواب الحقيقة ونراقبها و نقتفي آثارها مع أن هروبها منا قد يكون لصالحنا فقد فضلت الهروب من أجلنا ونحن أغبياء بُلداء لم نفهم ذالك بل ازددنا إصراراً على اللحاق بها والوصول اليها ! وعندما ترينا الحقيقة وجهها أو تكشف لنا عن بعض من ملامحها نكتشف أنها دمارٌ وخراب وواقعٌ بئيس ومحزن ، وقتها نحاول نحن الهروب منها فنبدأ بالتراجع والتقهقر الى الوراء فتبدأ هي بمطاردتنا والاتجاه مباشرةً نحونا دون أن تفلتنا ودون شفقةٍ أو رحمه ..

وفي مثل هذه الضروف التي نعيشها نحن بحاجة ماسة الى التغاضي والتغابي عن فهم الحقائق أحياناً تفادياً للصدمة المبكرة وحتى نريح قلوبنا ونسعد انفسنا ومن حولنا بما وهبنا الله من أنفاس العمر والحياة ، كما علينا أن نجعل من هذا التغاضي والهروب تجربةً تزيد من طاقتنا لنصبح بكامل الجاهزية والعتاد لنمتلك القدرة الكافية على تحمّل الصدمات والمفاجئات التي قد تسقطنا ارضاً ولكننا ننهض من جديد ونحن أقوى و أشد من ذي قبل…

زر الذهاب إلى الأعلى