Uncategorized

ظاهرة التنمر المدرسي.. تعريفها وأشكالها وآثارها وكيفية التغلب عليها؟

كريترنيوز /إعداد/ نوال باقطيان

يُعد التنمر المدرسي من أشهر الظواهر العالميّة المُنتشرة بين الطُلاب، والتي توجد في مُختلف المؤسسات التعليميّة في جميع أنحاء العالم، لدرجة أنّ منظّمة اليونيسف وضعتها ضمن أولويّات أعمالها.
تتمثّل خطورة هذه الظاهرة في الآثار النفسيّة طويلة المدى التي تتركها في شخصيّة الطُلّاب الذين يتعرّضون لها. فلا مُبالغة إذا قلنا أنّ الكثير من المُشكلات النفسيّة التي يعاني منها البالغون ترجع إلى المواقف السيئة التي تعرّضوا لها في فترة الطفولة أو المُراهقة، والتي من ضمنها التعرّض للتنمر في المدرسة.

لكن لحسن الحظ، التفتت أنظار الكثير من المؤسسات حول العالم إلى خطورة هذه الظاهرة، وبدأت في تكريس الكثير من الجهود للتغلُّب عليها. إذاً، ما هو التنمر المدرسي، وما أشكاله، وما آثاره على الطُلّاب؟

يُشير التنمر المدرسي إلى السلوك العدواني المُتكرِّر الذي يحدث بين الطُلَّاب، حيث يستخدم طالب أو أكثر قوتهم أو نفوذهم لتخويف الآخرين أو إيذائهم داخل البيئة المدرسيَّة. يُمكن أن يتخذ التنمر أشكالًا مُختلفة، بما في ذلك التنمر الجسدي واللفظي والاجتماعي، وغالبًا ما يحدث بشكل متكرر مع مرور الوقت، مما يخلق نمطًا من المضايقة والترهيب.

وبحسب تقرير صادر عن منظمة اليونيسف، فإن التنمر يتحدد من خلال التأكد من وجود هذه العوامل: القصد، والتكرار، والقوة. إذ إنّ التنمر هو نمط سلوكيّ مُتكرّر، وليس حادثاً منفرداً.

فتتمثّل العوامل الرئيسية للتنمر في أن يكون أحد الطرفين أقوى من الآخر، وأن تستمر المُضايقة عن قصد لفترات طويلة وليس لمرّةٍ واحدة. لذلك، لا يتمّ تعريف الحوادث الفرديَّة التي لا تتكرّر أو الصراع بين طالبين مُتساويين في القوّة البدنيّة أو قوّة الشخصيّة – سواءً شخصيا أو عبر الإنترنت – على أنها تنمر.

ولعلّل الذي منح ظاهرة التنمر هذه الأهميّة، وجعلها أحد محاور اهتمام منظمة اليونيسف، هو تأثيرها السلبي الكبير على الضحيّة، حيث يُمكن أن يكون للتنمر – بأي شكل من الأشكال أو لأي سبب من الأسباب – آثار فوريَّة أو متوسطة أو طويلة المدى على النفسيّة.

– أشكال التنمر المدرسي وأنواعه:

يُمكن أن يظهر التنمر المدرسي (التنمر في المدارس) بأشكالٍ وأنواع مختلفة، يُمثِّل كل منها تحديات وعواقب مُختلفة للطُلاب المُعرّضين للتنمُّر. وفيما يلي نبذة عن هذه الأشكال:
• التنمر الجسدي.
• التنمر اللفظي.
• التنمر الاجتماعي.
• التنمر العنصري أو العرقي أو الثقافي.

1- التنمر الجسدي:
وهو من أشكال التنمر المدرسي الخطرة. يتضمَّن التنمر الجسدي أفعالًا مثل الضرب أو الركل أو الدفع، أو أي شكل آخر من أشكال الاعتداء الجسدي الذي يهدف إلى إلحاق الأذى بالطالب الأضعف أو إزعاجه. وغالبًا ما يكون هذا النوع من التنمُّر أكثر وضوحًا، وقد يؤدي إلى إصابات واضحة، ولكنَّه قد يكون أيضًا خفيًا، مثل تعثر شخص ما عمدًا أو سرقة ممتلكاته.

ويُمكن أن يحدُث هذا النوع من التنمر في أماكن مُختلفة، بما في ذلك الفصول الدراسيَّة، والممرات، والملاعب، أو في الحافلة المدرسية أو حتى في الشارع بعد الخروج من المدرسة.

2- التنمر اللفظي:
يتضمّن التنمر اللفظي استخدام الكلمات لإيذاء الآخرين أو إهانتهم أو تخويفهم، حيث يُمكن أن يشمل ذلك الشتائم أو المضايقة أو السخرية، أو الإدلاء بملاحظات مهينة حول مظهر الشخص أو ذكائه أو خلفيته. يمكن أن يكون التنمر اللفظي ضارًّا بشكلٍ خاص لأنه يهاجم احترام الضحية لذاته، ويمكن أن يؤدي إلى ضائقة نفسيّة وشعورًا بالخجل والإحراج، وانعدام القيمة مما يؤدي في النهاية إلى عُزلة اجتماعيَّة.

3- التنمر الاجتماعي:
وهو من أنواع التنمر في المدارس، يتضمَّن التنمر الاجتماعي التلاعُب بالعلاقات الاجتماعيَّة، لاستبعاد أو نبذ أو تقويض الوضع الاجتماعي للضحيَّة داخل مجموعة الزملاء. يُمكن أن يشمل ذلك نشر الشائعات أو النميمة أو استبعاد الضحيَّة من الأنشطة الاجتماعية، أو تشكيل مجموعات لعزل الضحية.

يُمكن أن يكون هذا النوع من التنمر خفيًا وسريًا، مما يجعل من الصعب على المعلمين وأولياء الأمور التعرُّف عليه ومعالجته. ويمكن أن يكون له آثار نفسية كبيرة على الطالب الذي يتعرّض له، مما يؤدي إلى الشعور بالوحدة والرفض والعزلة الاجتماعية.

4- التنمر العنصري أو العرقي أو الثقافي:
وهو من أنواع التنمر المدرسي، إذ يستهدف هذا النوع من التنمر الطُلّاب على أساس عرقهم أو أصلهم أو جنسيتهم أو خلفيَّتهم الثقافية. يُمكن أن يشمل ذلك استخدام الإهانات العنصرية، أو الإدلاء بتعليقات أو نكات مهينة حول العرق أو الدين لشخصٍ ما، أو استبعاد الأفراد على أساس هويَّتهم الثقافية.
ويُؤدي التنمُّر العنصري إلى إدامة الصور النمطيَّة والتحيُّز والتمييز، مما يخلق مناخًا من العداء والتعصُّب داخل المجتمع المدرسي.

يُمكن أن يكون لكل شكل ونوع من أشكال التنمُّر في المدارس آثار مدمرة على الصحة الجسديَّة والعاطفيَّة والنفسية للطُلَّاب الضحايا، وكذلك على المناخ والثقافة المدرسيّة بشكلٍ عام. لذلك، يتطلَّب للتصدي للتنمر اتِّباع نهج واضح من جميع أفراد المجتمع المدرسي، لمنع هذه الظاهرة البغيضة.

– آثار التنمر المدرسي وأضراره:

يُمكن أن يكون للتنمر في المدارس آثار عميقة ودائمة على الطُلَّاب، مما يُؤثِّر على جوانب مختلفة من حياتهم، بما في ذلك صحتهم النفسيّة والعاطفيّة وأدائهم الأكاديمي وعلاقاتهم الاجتماعيَّة. وفيما يلي بعض آثار التنمر المدرسي على الطُلَّاب:
• الصحَّة البدنيَّة.
• الصحة العاطفيَّة والنفسيَّة.
• الأداء الأكاديمي.
• التأثيرات الاجتماعيَّة.
• التأثيرات السلوكيَّة.
• التأثيرات طويلة المدى.

1- الصحة البدنية:
قد يتعرَّض ضحايا التنمر الجسدي لإصابات جسدية فورية، مثل الكدمات أو الجروح أو كسور العظام الناتجة عن الاعتداء الجسدي المباشر. أضف إلى ذلك أنّ التعرُّض المزمن للتوتُّر والإجهاد العصبي والنفسي الناتج عن التنمُّر يُمكن أن يضعف جهاز المناعة، مما يجعل الضحايا أكثر عرضةً للأمراض.

كما تشير دراسة صادرة عن NLM إلى أن التنمر على الأطفال يؤثر على أدمغتهم، حيث يعانون من انخفاض في استجابتهم للمكافأة وتعطل منطقة الدماغ المسؤولة عن الذاكرة والتعلم. هذا التعطيل يضعف قدرتهم على التعامل مع التحديات وفهم تجاربهم، ممّا يبرز أهمية تفهم هذه التأثيرات وتقديم الدعم اللازم للأطفال المتضررين.

قد يصاب الضحايا أيضًا بأعراض نفسيَّة جسديَّة، مثل الصداع أو آلام المعدة أو القولون العصبي أو آلام العضلات، بسبب التوتر المستمر والقلق المرتبط بالتعرُّض للتنمر.

2- الصحة العاطفيَّة والنفسيَّة:
يُمكن أن يؤثر التنمر بشكلٍ كبير على الصحة العقلية للطلاب، مما يؤدي إلى تفاقم مشاعر الخوف والقلق والاكتئاب وتدني احترام الذات، كما قد يعانون من ضائقة عاطفية مستمرة، بما في ذلك الحزن والرغبة في الانعزال والوحدة، وهو الأمر الذي سيؤثّر على رفاهيتهم وحياتهم بشكلٍ عام.

علاوةً على ذلك، يُمكن أن يؤدي التنمُّر المُستمر إلى تفاقم حالات الصحة العقلية الحالية، أو يؤدي إلى ظهور حالات جديدة، مثل اضطرابات القلق، أو الاكتئاب، أو اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، أو التفكير في الانتحار.

3- الأداء الأكاديمي:
يمكن أن يتداخل التنمر المدرسي مع قدرة الطلاب على التركيز والمشاركة في الفصل، ممّا يؤدي إلى صعوبات أكاديميَّة وضعف التحصيل. كما قد يُعاني الضحايا من انخفاض في أدائهم الأكاديمي بسبب زيادة التغيُّب عن المدرسة، أو تجنُّب الأنشطة المتعلقة بالمدرسة هربًا من مواقف التنمر.

يؤدي التوتر المزمن والاضطراب العاطفي الناتج عن التنمر كذلك إلى إضعاف الأداء المعرفي والذاكرة ومهارات حل المشكلات، مما يعيق قدرة الطلاب على التعلُّم والاحتفاظ بالمعلومات.

4- التأثيرات الاجتماعية:
يؤثِّر التنمر المدرسي بشكلٍ كبير على العلاقات والتفاعلات الاجتماعية لدى الضحيّة، مما يؤدي إلى الانسحاب الاجتماعي وصعوبة تكوين صداقات موثوقة. وقد يشعر الضحايا بمشاعر العزلة والرفض من أقرانهم، مما يؤدي إلى الشعور بالانفصال عن المجتمع المدرسي وانعدام الانتماء.

يمكن أن يؤدي التنمر كذلك إلى الإضرار بثقة الطُلَّاب بأنفسهم، والتأثير بالسلب على مهاراتهم الاجتماعيَّة، مما يجعل من الصعب عليهم التعامل مع المواقف الاجتماعية وإقامة علاقات صحيَّة في المُستقبل.

5- التأثيرات السلوكيَّة:
قد يُظهر ضحايا التنمر تغيُّرات في السلوك، مثل العصبيّة وسرعة الغضب، كآلية يصنعها العقل للتعامُل مع التوتُّر والصدمة الناتجة عن التعرض للتنمر. كما يُمكن أن يساهم التنمر في تطوير بعض السلوكيّات الإدمانيّة الضارّة، مثل تعاطي المخدرات أو تضييع الوقت على أشياء مُلهية وغير مُفيدة، كوسيلة للهروب من الواقع، أو التعامل مع الألم العاطفي والضيق.

6- التأثيرات طويلة المدى:
يمكن أن تمتد آثار التنمر المدرسي إلى مرحلة البلوغ، مما يؤثر على الصحة العقليَّة والنفسيّة للضحايا وعلاقاتهم ورضاهم عن الحياة بشكلٍ عام. فمن المُحتمل أن يحمل ضحايا التنمر الندوب والآثار النفسيّة والصدمات العاطفيَّة إلى مرحلة البلوغ، مما يؤثر على احترامهم لذاتهم وثقتهم، وقدرتهم على الثقة بالآخرين.

– علامات تدل على تعرض الطفل للتنمر:

إن كان طفلك معتاداً على إخبارك بما يزعجه من تلقاء نفسه، باتباعك لأسلوب جيد في الحوار مع الطفل، فستزيح عنك هذه العادة عبء المرور بمراحل معرفة إن كان طفلك يتعرض للتنمر أو أي مشكلة أخرى. أما في حال لم يعتد طفلك على إخبارك بالأمور التي تزعجه، فسيتعين عليك التعرف على العلامات التي تدل على تعرضه للتنمر، ومن ثم معالجة مشكلة التنمر بين الأطفال. إليك هذه القائمة التي تستعرض علامات تدل على تعرض الطفل للتنمر:
• الانطواء والعزلة.
• تكرار غيابه عن المدرسة دون أسباب.
• تجنب الحديث عن المدرسة.
• تدني مستواه الدراسي.
• إن كان التنمر جسدياً، فقد تظهر عليه علامات ضرب ويرفض الحديث عنها.
• عدم الرغبة في الأكل.
• فقدان الثقة بالنفس.
• الكوابيس.
• الغضب عند الحوار معه، والشعور بالقلق والعصبية والاحتراس الزائد.
• خسارة الأصدقاء فجأة، أو تجنب مخالطة الناس.
• ضياع المقتنيات الشخصية أو تعرضها للخراب والتمزّق.
• طلب المال بصفة متكررة.
• محاولة البقاء بقرب البالغين.
• الشكوى من بعض الأعراض البدنية، كالصداع أو
المغص.

– كيف تواجه التنمر؟

بعد ملاحظتكِ واحدة أو أكثر من تلك العلامات على طفلكِ، هنالك عدد من الخطوات بإمكانكِ اتباعها:
• ابدأي في الحديث معه بشكلٍ ودي وبكامل الهدوء؛ للتعرف عما يواجهه داخل المدرسة وعما تعرض له، ولا تبدأي في إسداء النصائح بمجرد أن يخبركِ بما حدث، فقط استمعي إليه.
• أبلغي المرشد أو المرشدة النفسية بالمدرسة عما تعرض له طفلك؛ لاتخاذ الإجراء اللازم.
• احرصي على دعم ثقته بنفسه بشكلٍ مستمر، وإلقاء كلمات الإطراء والإعجاب المستمرة على مسمعه وحدكما وأمام العائلة وأصدقائه.
• تحدثي معه عن التنمر وكيفية مواجهته، ولكن بالبعد عن العنف، سواء بأن يطلب من المتنمر أن يتركه وشأنه أو يتجنبه أو يخبر المعلم.
• احرصي على أن يشارك طفلك في الأنشطة المدرسية ولعب الرياضة؛ لأنه كلما حقق الطفل إنجازات زادت ثقته بنفسه.
• لا تخجلي من استشارة طبيب نفسي للأطفال، للتعرف على أنسب الطرق للتعامل مع طفلك في حالة تعرضه للتنمر.

زر الذهاب إلى الأعلى