الصين تؤسس أكبر كيان عالمي لبناء السفن.. هل تنهي آمال أمريكا بالمنافسة؟
صفقة اندماج بقيمة 16 مليار دولار

كريترنيوز /متابعات /البيان
تستعد الصين هذا الأسبوع لإتمام اندماج ضخم بين اثنين من أكبر أحواض بناء السفن، في خطوة من شأنها أن تخلق أكبر شركة لبناء السفن في العالم، بينما تكافح الولايات المتحدة لإيجاد طريقها مجددًا إلى هذه الصناعة بعد عقود من التراجع.
الصفقة، التي تبلغ قيمتها نحو 16 مليار دولار، ستشهد اندماج «تشاينا ستيت شيب بيلدينغ» مع «تشاينا شيب بيلدينغ إندستري»، على أن يُدرج الكيان الموحد في بورصة شنغهاي بعد موافقة الجهات التنظيمية.
وتراهن بكين على أن الحجم الجديد للشركة سيخفض التكاليف ويعزز قدرتها على الصمود أمام الاضطرابات التي تسببت بها السياسات الأميركية، خاصة في ظل مساعي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإحياء صناعة بناء السفن الأميركية وتهديده بفرض رسوم أعلى على السفن المصنَّعة في الصين، وهو ما يمنح كوريا الجنوبية واليابان فرصة لاستعادة حصص في السوق العالمية.
وأصدر ترامب في 9 أبريل 2025 أمرا تنفيذيا يهدف إلى إعادة بناء البنية التحتية لصناعة السفن، بما في ذلك إنشاء خطة عمل بحرية. كما أعلن عن إنشاء “مكتب بناء السفن الأميركي” في البيت الأبيض، تحت إشراف مجلس الأمن القومي، لإدارة الجهود الاستراتيجية لتعزيز صناعة السفن الأميركية، بما في ذلك تحسين الأجور وتنظيم الشراء الحكومي.
وفق تقرير “وول ستريت جورنال”، كانت الشركتان الصينيتان في الأصل كيانا واحدا قبل أن تفصلهما الحكومة الصينية عام 1999 لتعزيز المنافسة، لكن التوجه الحالي في بكين يميل نحو دمج الشركات الكبرى العاملة في القطاعات الاستراتيجية، خصوصا تلك المرتبطة بالصناعات العسكرية. ورغم أن نشاط «تشاينا ستيت شيب بيلدينغ» يتركز على بناء السفن التجارية، فإنها أيضا مقاول رئيسي للبحرية الصينية، فيما كانت الشركة المندمجة معها مسؤولة عن تصميم وبناء أول حاملة طائرات صينية محلية الصنع «شاندونغ». وأكدت الشركة أن الاندماج سيعزز قدرتها على تلبية احتياجات البحرية من المعدات المتطورة.
ووفقا لماثيو فونايول، المحلل في «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» في واشنطن، فإن هذه الخطوة تمثل «محطة مفصلية في مساعي الصين طويلة المدى للهيمنة على صناعة بناء السفن العالمية». وبيّنت بيانات «كلاركسونز ريسيرش» أن الشركتين استحوذتا العام الماضي على نحو 17% من السوق العالمية من حيث الطلبات الجديدة، بإجمالي دفتر طلبات يتجاوز 530 سفينة وبحمولة 54 مليون طن، ما يجعلها الأكبر عالميا، مع إيرادات سنوية تقارب 18 مليار دولار.
ويرى خبراء أن هذا الاندماج يعزز قدرة بكين على تنفيذ إستراتيجية «الدمج العسكري–المدني»، التي تدمج بين الإنتاج التجاري والعسكري عبر تبادل التكنولوجيا والكوادر والبنية التحتية. ووفق بيانات الأمم المتحدة، شكّلت السفن الصينية 55% من الحمولة العالمية العام الماضي، مقارنة بأقل من 0.05% للسفن الأميركية، فيما تتمتع الصين بقدرة إنتاجية في هذا القطاع تفوق الولايات المتحدة بـ232 مرة، بحسب تقديرات البحرية الأميركية.
لكن التحديات بدأت تلوح في الأفق، إذ دفع احتمال فرض رسوم أميركية على السفن الصينية العديد من ملاك السفن إلى البحث عن بدائل في أحواض بناء غير صينية. كما ساهمت الرسوم الجمركية الأميركية وتوجهات الدول نحو تعزيز سلاسل الإمداد المحلية في تقليص حجم التجارة العالمية، وبالتالي تراجع الحاجة إلى سفن جديدة.
على سبيل المثال، كشفت شركة «يانغزيتجيانغ شيب بيلدينغ» – أكبر حوض خاص في الصين – أنها حصلت في النصف الأول من 2025 على طلبات لبناء 14 سفينة فقط بقيمة 540 مليون دولار، مقارنة بـ126 سفينة بقيمة 14.6 مليار دولار خلال عام 2024 بأكمله. وأظهرت بيانات «كلاركسونز» انخفاض الطلبات الجديدة عالميا بنسبة 48% على أساس سنوي في الفترة نفسها. وأوضحت الشركة أن القطاع يواجه «حالة من عدم اليقين الاقتصادي الكلي والتوترات الجيوسياسية».
وفي الوقت ذاته، تتحرك شركات بناء السفن اليابانية لاستعادة حصتها السوقية التي فقدتها لصالح المنافسين الصينيين والكوريين الجنوبيين. إذ أعلن يوكيتو هيغاكي، رئيس شركة «إيماباري شيب بيلدينغ» ورئيس اتحاد شركات بناء السفن اليابانية، في يونيو الماضي أن بلاده تستهدف رفع حصتها في السوق من نحو 9% حاليا إلى 20% بحلول عام 2030، عبر إستراتيجية «اليابان الموحدة» التي تهدف لتوحيد الجهود لمواجهة بكين وسيول.
وكانت اليابان تهيمن على نحو نصف إنتاج السفن عالميا في تسعينيات القرن الماضي. وفي يونيو الماضي، اقترح الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم برنامج دعم واسع النطاق لأحواض بناء السفن المحلية لتعزيز الأمن القومي، بما في ذلك صندوق مشترك عام–خاص بقيمة 6.7 مليارات دولار. وحذّر الحزب من أنه «إذا لم نتحرك الآن، فإن اليابان تخاطر بفقدان صناعة بناء السفن بالكامل، كما حدث في أوروبا والولايات المتحدة».
ويرى كينيث جي. هوانغ، أستاذ في «جامعة سنغافورة الوطنية» المتخصص في دراسة الشركات المملوكة للدولة في الصين، أن بكين لن تتخلى بسهولة عن هذا القطاع، مضيفًا: «بناء السفن قدرة أساسية تسعى الصين إلى تطويرها، والمنافسة مع الولايات المتحدة ستدفعها إلى تسريع وتيرة التحديث».