اقتصاد

أزمة الكاكاو.. إلى أين تتجه أسعار الشوكولاتة؟

كريترنيوز /متابعات /وائل زكير

 

تشهد صناعة الشوكولاتة العالمية واحدة من أعقد أزماتها منذ عقود، مع استمرار الضغوط الناتجة عن ارتفاع أسعار الكاكاو الذي يُعد المكوّن الأساسي لهذا المنتج المحبوب. ورغم التراجع النسبي في الأسعار خلال الأشهر الأخيرة من 2025، فإن المستهلكين حول العالم سيظلون مضطرين لدفع المزيد مقابل لوح الشوكولاتة أو قطعة الحلوى، وسط توقعات ببوادر انفراج تدريجي مع حلول عام 2026، وإن كانت العودة إلى الأسعار القديمة تبدو بعيدة المنال.
خلفية الأزمة
بدأت الأزمة تتضح مع نهاية عام 2023 وبداية 2024، حين واجهت مزارع الكاكاو في غرب إفريقيا – وتحديدا في ساحل العاج وغانا، اللتين تنتجان نحو ثلاثة أرباع الإمدادات العالمية – ظروفًا مناخية سيئة تمثلت في أمطار غير منتظمة وموجات جفاف، إلى جانب تفشي الآفات الزراعية والأمراض التي أضعفت الإنتاج بشكل كبير.
هذا النقص في المعروض تزامن مع ارتفاع تكاليف النقل والطاقة عالمياً، ما دفع أسعار الكاكاو إلى مستويات غير مسبوقة. ففي يناير 2025، بلغ سعر الطن المتري نحو 8177 دولاراً، مقارنةً بـ 2374 دولاراً فقط قبل ثلاث سنوات. هذا الارتفاع الصاروخي حوّل الكاكاو إلى سلعة نادرة وأثقل كاهل مصنّعي الشوكولاتة حول العالم، وفقا لتقرير لشبكة “CNBC”.
انعكاس الأزمة على المستهلكين
لم يقتصر الأمر على السوق العالمية للمواد الخام، بل انتقل أثر الأزمة سريعًا إلى رفوف المتاجر. ففي بريطانيا، كانت منتجات الشوكولاتة الفئة الأعلى تضخمًا بين السلع الغذائية، إذ ارتفعت أسعارها بنسبة 11% في عام 2024 وحده، بحسب استطلاع أجرته مجموعة “ويتش” للمستهلكين. أما في الولايات المتحدة، فقد ارتفعت أسعار منتجات شهيرة مثل Hershey’s Kisses بحوالي 12% على أساس سنوي.
هذا الغلاء انعكس مباشرة على عادات المستهلكين، حيث تراجع الطلب على الحلويات والشوكولاتة في عدة أسواق، بعدما أصبحت بالنسبة للبعض “سلعة كمالية” أكثر من كونها منتجًا يوميًا.
الشركات تحت ضغط غير مسبوق
شركات الشوكولاتة لم تكن في حال أفضل. فقد أدت زيادات أسعار الكاكاو أربع مرات خلال العامين الماضيين إلى تضاعف تكاليف الإنتاج بشكل كبير. ورغم أن بعض هذه الزيادات تم تمريرها إلى المستهلكين عبر رفع الأسعار، إلا أن الشركات واجهت صعوبة في نقل كامل العبء خشية فقدان عملائها.
جمعية مصنّعي الشوكولاتة السويسرية “شوكوسويس” أكدت أن الضغوط طالت الجميع، من الشركات الصغيرة إلى كبار المصدّرين الدوليين. وقالت المتحدثة باسم الجمعية، ليديا توت، إن الصناعة تواجه “ضغطًا هائلًا على الهوامش”، مشيرة إلى أن “التعديلات السعرية الإضافية لا تزال مرجحة، ومن غير الممكن العودة إلى مستويات الأسعار السابقة”.
حتى الشركات العالمية العملاقة مثل Lindt & Sprüngli السويسرية صرحت بوضوح، على لسان رئيسها التنفيذي أدالبرت ليتشنر، بأنها لا تتوقع أن تنخفض أسعار الكاكاو إلى مستويات ما قبل الأزمة، ما يعكس إدراكًا واسعًا بأن السوق دخل مرحلة جديدة من التوازن المرتفع.
في حديثها لقناة CNBC، وصفت تريسي ألين، استراتيجية السلع الزراعية في بنك جي بي مورغان، الوضع الحالي بقولها: “نحن نعاني من صداع الكحول هنا”.
وأوضحت أن القطاع ما زال يتعامل مع الآثار المتأخرة لارتفاع الأسعار القياسية في الربع الأخير من 2024، حيث تحولت تكاليف ممارسة الأعمال إلى عبء ثقيل على المستهلكين.
وأضافت: “هناك عجز مستمر في السوق ونضوب في حبوب الكاكاو والمنتجات، ما يعني أن الأسعار المرتفعة ستستمر لفترة أطول”.
من جانبه، قال حمد حسين، الخبير الاقتصادي في مجال المناخ والسلع لدى “كابيتال إيكونوميكس”، إن التحديات الهيكلية أعمق من مجرد تقلبات الطقس. وأوضح أن “سنوات من نقص الاستثمار في المزارع والأمراض المستمرة في ساحل العاج وغانا تعني أن المعروض العالمي سيظل محدودًا حتى لو تحسنت الظروف الجوية خلال الأشهر المقبلة”، مشيرًا إلى أن ذلك سيُبقي الأسعار عند مستويات تاريخية مرتفعة.
عوامل ضاغطة إضافية
الأزمة لم تقتصر على تكاليف الكاكاو فقط، بل زادتها عوامل أخرى تعقيداً. ففي المملكة المتحدة، ساهمت زيادات الحد الأدنى للأجور ومساهمات الموظفين في رفع تكاليف التشغيل على الشركات، وهو ما انعكس بدوره على أسعار المواد الغذائية بما فيها الشوكولاتة.
أما في الولايات المتحدة، فقد أضافت الرسوم الجمركية التي فُرضت مؤخرًا بنسبة 39% على الشوكولاتة والساعات السويسرية مزيداً من الضغوط على الأسعار، خصوصًا في ظل اعتماد السوق الأميركي على منتجات سويسرية فاخرة.
بارقة أمل
ورغم الصورة القاتمة، هناك مؤشرات على احتمال تحسن الوضع تدريجيًا بحلول 2026. فبحسب تحليل جي بي مورغان، يتباطأ الطلب الصناعي في الوقت الذي يُتوقع فيه تحسن العرض مع زيادة الإنتاج في البرازيل والإكوادور، حيث تدخل مزارع جديدة مرحلة النضج. كما أن تحسن الظروف الجوية قد يساهم في زيادة المعروض وتخفيف حدة الأزمة.
ومع ذلك، يتفق معظم المحللين على أن الأسعار ستبقى “أعلى هيكلياً”، حتى مع الانخفاض المتوقع. وتشير التقديرات إلى أن أسعار الكاكاو ستستقر عند حدود 6,000 دولار للطن المتري، وهو مستوى أعلى بكثير من متوسط الأسعار خلال العقد الماضي.
المستهلكون حول العالم سيواصلون مواجهة أسعار مرتفعة للشوكولاتة طوال 2025، حيث تتراكم الضغوط من جميع الاتجاهات، نقص الإمدادات، تضخم التكاليف، الرسوم الجمركية، وارتفاع الأجور. ورغم أن عام 2026 قد يجلب بعض الراحة مع تحسن الإنتاج العالمي، إلا أن العودة إلى مستويات الأسعار السابقة تبدو شبه مستحيلة.
في النهاية، قد تكون قطعة الشوكولاتة في المستقبل القريب رمزاً للتحديات الاقتصادية العالمية بقدر ما هي رمز للمتعة، حيث تعكس قصة الكاكاو تداخل المناخ بالاقتصاد، وتكشف كيف يمكن لعوامل بعيدة في غرب إفريقيا أن تؤثر مباشرة في فاتورة التسوق اليومية لمستهلك في لندن أو نيويورك.

زر الذهاب إلى الأعلى