اقتصاد

الأمريكيون “غير الأثرياء” يبحثون عن بلاد جديدة للإقامة

في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة وتزايد مرونة العمل عن بُعد

كريترنيوز /متابعات /البيان

 

في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة وتزايد مرونة العمل عن بُعد، بدأ عدد متزايد من الأميركيين من الطبقة المتوسطة باستكشاف خيارات الإقامة في الخارج، وهي خيارات كانت في الماضي حكراً على الأثرياء.

وفق تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال”، يقول المستشارون الماليون إنّ هذه الخطط لا تتعلق ببرامج «جوازات السفر الذهبية» باهظة الثمن مثل تلك التي تقدمها مالطا أو بعض الدول الكاريبية مثل سانت كيتس ونيفيس أو أنتيغوا وباربودا، بل هي تصاريح إقامة طويلة الأمد مخصصة للمهنيين العاديين وغيرهم ممن يسعون لزيادة قيمة أموالهم، أو خفض ضرائبهم، أو ببساطة للعيش بشكل أفضل في الخارج.

يقول أندرو هندرسون، مؤسس شركة الاستشارات العالمية نوماد كابيتاليست: «إنها خطة بديلة، إنهم يشترون راحة البال — القدرة على اختيار مكان إقامتهم، وكيف تُفرض عليهم الضرائب، ونوع الحياة التي يريدون بنائها».

من هم الذين يهاجرون؟

تتفاوت التقديرات بشأن عدد الأميركيين المقيمين في الخارج، لكن برنامج التصويت الفدرالي للمساعدة الانتخابية التابع لوزارة الدفاع الأميركية قدّر العدد بنحو 4.4 ملايين شخص حتى عام 2022، أي بزيادة 42% منذ عام 2010.

يقول ديفيد كونزي، المدير في شركة استشارات استثمارية ومقرها ولاية ويسكونسن، إنه شاهد هذا الاهتمام المتزايد بنفسه. فقبل عام 2015، كان من النادر أن يأتيه عملاء يخططون للتقاعد أو الانتقال إلى الخارج. ويضيف: «أما الآن، فالكثيرون يفعلون ذلك. الزيادة في الاهتمام جعلت إدارة الثروة عبر الحدود أولوية وليست مجرد فكرة لاحقة».

تتلقى شركته اتصالات من معلمين ومهندسين وأصحاب مشاريع صغيرة وغيرهم ممن يعتقدون أنّ أموالهم ستكون أكثر فاعلية خارج الولايات المتحدة.

ويقول: «ما بدأ كتدفّق بسيط من المتقاعدين تحول إلى حركة كاملة — ولم يعد مقتصرًا على الأثرياء». ويضيف: «يتصل الناس قائلين: لم أفكر يوما في مغادرة أميركا، لكني فقط أريد الرحيل — إلى أين أذهب؟».

ولا يقتصر هذا التوجّه على المتقاعدين فقط. فبالنسبة لكثير من الشباب الأميركيين، جعل العمل عن بُعد من الممكن العيش في الخارج قبل سنّ التقاعد بوقت طويل، كما يقول هندرسون من شركة نوماد كابيتاليست.

ويتابع: «خلال جائحة كوفيد، أدرك الناس أنّ الولايات المتحدة ليست بالحرّة أو الميسورة كما ظنّوا. بالنسبة لآخرين، المسألة تتعلق بالضرائب — فحتى إن كنت تتقاضى راتبًا متوسطًا في نيويورك، فإنك تدفع الكثير. وهناك أيضًا من يسعى إلى نمط حياة أفضل — مناخ أدفأ، ومساحة أكبر، وتكاليف أقل».

وينصح هندرسون عملاءه بـ«تنويع إقاماتهم» تمامًا كما يفعلون مع استثماراتهم: «إذا كنت ثريًا، تشتري عدة تأشيرات ذهبية. وإذا كنت من الطبقة المتوسطة، يمكنك الحصول على إقامة في مكانين مثل أميركا اللاتينية وأوروبا. المسألة كلها تتعلق بالخيارات».

كم تبلغ التكلفة؟

الخبر الجيد للأميركيين من الطبقة المتوسطة، وفق وول ستريت جورنال، هو أنّ الانتقال إلى الخارج ليس مكلفًا كما يبدو، ولا يتطلب قطع الروابط مع الولايات المتحدة.

يقول كونزي: «يسألني الناس: هل يجب أن أتنازل عن جنسيتي الأميركية؟ الحقيقة أنّ أغلبهم لا يحتاجون إلى جواز جديد، بل فقط إلى تصريح إقامة». ويضيف: «لا يدركون أنهم لا يحتاجون إلى تأشيرة استثمارية قيمتها 500 ألف دولار. بالنسبة لمعظم الأميركيين، تكفي تأشيرة تقاعد أو إقامة مبنية على الدخل».

في البرتغال مثلًا، يقول هندرسون: «تأشيرة D7 لا تتطلب استثمارًا ضخمًا — فقط إثبات دخل ثابت يتراوح بين 9 آلاف و12 ألف دولار سنويًا. البلاد غربية الطابع وآمنة، وما تزال وجهة مفضلة للمتقاعدين الأميركيين والعاملين عن بُعد».

وفي بنما، تستقبل تأشيرة Pensionado المتقاعدين الذين لديهم دخل لا يقل عن ألف دولار شهريًا. أما تأشيرة الإقامة المؤقتة في المكسيك، فيمكن الحصول عليها بدخل شهري يبلغ نحو 4 آلاف دولار أو بمدخرات تقارب 80 ألف دولار.

ويقول هندرسون: «هذه البرامج تسمح لك بالعيش براحة في الخارج براتب أميركي متواضع. ففي أماكن مثل ماليزيا أو جورجيا، العقارات بأسعار معقولة، والرعاية الصحية موثوقة، ويمكنك الحفاظ على نمط حياة سيكلفك ضعف أو ثلاثة أضعاف هذا المبلغ في بلدك».

لكن ثمة تكاليف وتعقيدات لا بد من احتسابها. فحتى مع الإقامة في الخارج، يبقى الأميركيون خاضعين لنظام الضرائب الأميركي، وقد تتراكم تكاليف الامتثال. يقول ديفيد ليسبرانس، المحامي المتخصص في شؤون الهجرة الأميركية: «إذا انتقل أميركي إلى البرتغال عبر تأشيرة D7، فسيتعين عليه التقديم الضريبي في البلدين. البرتغال تتلقى الشيك، لكن الولايات المتحدة تمنح الائتمان». أي أن الأميركي الذي يدفع ضرائبه في البرتغال عليه أن يبلّغ عن هذا الدخل لمصلحة الضرائب الأميركية ويحصل على رصيد ضريبي يعفيه من الازدواج الضريبي.

ومع ذلك، فإن فوائد انخفاض تكاليف المعيشة تستحق العناء في نظر المستشارين. فالرعاية الصحية الخاصة في البرتغال تكلف جزءًا بسيطًا من أقساط التأمين الأميركية، والشقق المطلة على البحر في بنما يمكن استئجارها بأقل من ألف دولار شهريًا، كما أن أسعار المواد الغذائية ورعاية الأطفال والمواصلات أرخص بكثير في معظم دول أميركا اللاتينية وأوروبا الشرقية.

ويصف كونزي ذلك بأنه «موازنة جغرافية للطبقة المتوسطة» — أي البحث عن جودة حياة أعلى من دون ضغط مالي، وهي معادلة نادرة في أمريكا.

زر الذهاب إلى الأعلى