تحقيق

قراءة تحليلية في مفهوم (الوحدة اليمنية) ..كيف تحولت من اتفاق ودي سلمي اختياري إلى سجن كبير إجباري؟

كريترنيوز/ تقرير

لا انفصال بالعنف ولا وحدة بالإجبار. تتحقق (الوحدة) عبر تفاهمات وقناعات واتفاقيات تمهيدية مسبقة وهي عبارة عن شراكة بين طرفين متكافئين أو أكثر، لها شروط ومواثيق وعهود تتقيد جميع الأطراف بها لضمان المساواة والعدل وحتى لايطغى أحد على الآخر. قد تستمر الوحدة وقد لايكتب لها النجاح ، وإنما هي مجرد تجربة قابلة لجميع الاحتمالات ليست أبدية مخلدة. وإذا ما قرر أحد الأطراف الانسحاب يجوز له ذلك، ولايحق إرغامه على الاستمرار بالقوة او تحت التهديد.

خلص تقرير أعدّته سمانيوز إلى أن الوحدة اليمنية تحولت من اتفاق ودي سلمي اختياري إلى سجن كبير إجباري ملغم بشعار الوحدة أو الموت وفتاوى تكفيرية دموية ضد كل من يطالب بفض الشراكة عقب بروز أسباب ومبررات فشلها. حيث تم قتل وسحل الجنوبيين في صنعاء بذريعة أنهم ماركسيون ملحدون.

ومع تصاعد مطالب الجنوبيين بفض الشراكة أعلنت صنعاء الحرب ضدهم في العام 1994م. عقب إصدارها فتوى تكفرهم، تبيح دماءهم وأرضهم وتجيز اغتنام ممتلكاتهم .. تم تشريد قيادات الجنوب في الخارج ووضع شعب الجنوب (رهن الإقامة الجبرية)، تم تقييد وتكبيل الجنوبيين بتلك الشعارات والفتاوى التكفيرية. تحولت الوحدة بطريقة تلقائية إلى احتلال مفروض بالسلاح والنار. تبعثرت مواثيقها واتفاقياتها وانفرد عفاش وعائلته وبعض المقربين وشيوخ القبائل بالسلطة وتم تقاسم ثروات وأرض الجنوب فيما بينهم، وإقصاء الشريك الجنوبي. مارس المحتل اليمني سياسة فرق تسد ضد الجنوبيين دعم فريق ضد الآخر، أثار النعرات والثأرات القبلية وأعاد فتح بعض الملفات لإحداث فتنة وخلخلة وتمزيق للنسيج الجنوبي. في العام 2007 خرج شعب الجنوب عن صمته وأعلن ثورة سلمية لمقارعة المحتل اليمني سقط المئات بين قتيل وجريح، وما تلاها من أحداث لايتسع المجال لذكرها.

 

استمتاع شعب على حساب تعذيب شعب آخر :

 

رغم كل تلك السنين والحروب والدماء والدمار وتفكك واندثار جميع روابط ومواثيق الوحدة اليمنية ومقتل عفاش، وسيطرة الحوثيين على صنعاء والانتقالي على عدن إلا أن القوى اليمنية (الحوثية والإخوانية وبقايا عفاش والمؤتمر) لا تزال متمسكة (بالوحدة) لاتزال تظن أنها على حق وأن الجنوبيين على باطل.

 

في سياقه يرى مراقبون أن العالم تجاوز مفهوم (الاستحواذ المشرعن) على حقوق الغير،

(استمتاع شعب على حساب تعذيب شعب آخر).

مفهوم انتهازي لاتزال تمارسه القوى المتمسكة بـ(تابوت) الوحدة اليمنية،

مع إدراكها اليقين خطأ ما تفعله، يجافون الحقيقة التي يعلمونها علم اليقين، مصممون على التمسك بخيوط أكاذيب حاكوها من نسيج ديني، اجتماعي سياسي، عسكري استخباراتي، (مخادع) للاستحواذ على حقوق الغير تحت مسمى شكلي يدعى (الوحدة اليمنية)، حتى تشكلت لديهم مع مرور الوقت فكرة (سيكولوجية مجتمعية) تسمى رهاب الانفصال أو الانفصال فوبيا، (الخوف من انفصال الجنوب عن اليمن) بات كابوسا مدمرا سيطر على حياتهم، سلوكهم، أفعالهم وأقوالهم، تكالبت عليهم هواجس الخوف من المجهول القادم، يتخوفون من تبعات الانفصال الغيبية، مع أنها مجرد تكهنات، إضافةً إلى شعورهم بالنقص والضعف والإهانة بين الأمم، لاسيما الوحدة تمدهم بالقوة والجاه والمال.

يرى مراقبون عرب أن صنعاء مستعدة لخوض حروب ضد الجنوبيين ليس حباً في الوحدة اليمنية بحسب الشعارات المرفوعة ، وإنما لتظل هي صاحبة اليد الطولى على ثروات الجنوب وسواحله.

 

لايوجد مشروع واضح لدى صنعاء تقنع الجنوبيين به ، للاستمرار في إطار الوحدة غير إصدار الفتاوى التكفيرية والهستيريا والعنف).

(العودة إلى بيت الطاعة بالقوة).

 

لا يمكن إيجاد يمن موحد بالإجبار :

 

إلى ذلك قال ستيفن جايز، الدبلوماسي الأمريكي السابق، إن حضور الرئيس عيدروس الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي في الأمم المتحدة ضروري للتباحث حول حل سياسي يعزز السلام.

وأوضح في تصريحات إعلامية أن اتفاق السلام السابق غير مطروح على الطاولة، بعدما برهنت مليشيا الحوثي المدعومة من إيران أنها ليست محل ثقة، مؤكدا أن دعم المجتمع الدولي للانتقالي خيار صحيح.

وقال؛ هناك رؤية أممية جديدة لحل الصراع في اليمن، تقوم على أساس أنه لا يمكن إيجاد يمن موحد بالإجبار، داعيا إلى تطور حقيقي يفضي إلى السلام عبر الاعتراف برؤية المجلس الانتقالي الجنوبي للحل السياسي.

 

مفهوم ومصير الوحدة :

 

بحسب موقع إخباري جنوبي نشر مقال على صفحات التواصل الاجتماعي أواخر سبتمبر 2024م للكاتب اليمني (الشمالي) الأستاذ (جمال أنعم) طرح تساؤلات حول مفهوم ومصير الوحدة اليمنية،

قال في مقدمته: لماذا كل هذا التمسك بالوحدة مع شعب لا يرغب بها؟.

لماذا جعلتم من الانفصال (فوبيا) وورقة تتاجرون بها لتحقيق مكاسب سياسية قصيرة النظر؟.

الجنوب العربي شعب يستحق تقرير مصيره.

دعوهم يستعيدوا دولتهم المنهوبة وحقوقهم المسلوبة وحرياتهم المكبلة،

ويضيف أن النظام المركزي في صنعاء دمر النسيج الاجتماعي والسياسي بين الشمال والجنوب، وجعل الجنوبيين يشعرون بأنهم تحت احتلال أجنبي.

ويقول : لا يوجد محتل في تاريخ الجنوب أسوأ منكم،

حكم العصابات : هل يقبل عاقل أن يحكمه همج شمال الشمال بمكائن الشر؟.

ويضيف : هل يقبل عاقل أن يسلم مستقبله لعصابة عفاش وآل الأحمر؟،

احترموا خياراتهم وإنسانيتهم وكرامتهم ودعوهم يقررون مصيرهم.

ويرى أن الجنوب العربي لن يعود للوحدة إلا إذا أثبت الشمال أنه يستحق هذه الوحدة من خلال تغيير نهجه وسلوكه تجاه الجنوب.

 

دروس من دول الخليج :

 

يشير جمال أنعم إلى تجربة دول الخليج التي تعيش في كيانات مستقلة لكنها متحدة في الرؤية والمصير.

ويقول : إن نعيش تحت رايتين ونحن متحابين متآخين خير لنا أن نعيش تحت راية واحدة متناحرين.

هذه الرسالة تؤكد أن الوحدة ليست بالضرورة حتمية لتحقيق الاستقرار، بل يمكن للجنوب والشمال أن يعيشا في دول منفصلة، متحابين ومتآخين، إذا تم احترام حقوق الجميع.

 

ويعكس مقال جمال أنعم واقعاً مريراً تعيشه اليمن اليوم. فالوحدة التي كانت تعتبر في يوم من الأيام إنجازاً تاريخياً، أصبحت اليوم مصدر انقسام وصراع.

وبينما يتطلع أبناء الجنوب إلى استعادة دولتهم وحقوقهم، يبقى السؤال قائماً : هل يمكن للشمال أن يثبت أنه يستحق الوحدة مع الجنوب؟

 

ختامًا ..

 

ليس لمخاوف صنعاء من انفصال الجنوب أي مبررات منطقية مقنعة غير الطمع في ثروات الجنوب واحتلال أرضه واستعباد شعبه، (مخاوف ممزوجة بأطماع ونوايا خبيثة)، فهذه ليست وحدة بحسب المفهوم الديني والقومي والإنساني، وإنما هي استمتاع طرف على حساب معاناة الطرف الآخر، فهل يقبل العالم بهكذا معادلة؟.

Back to top button