“الإرهاب” ورحلة الصعود والسقوط في الجنوب ..

كريترنيوز / تقرير / محمود أنيس
إلى قرائنا ومتابعينا الأعزاء ، نعود إليكم مرة أخرى بموضوع هام وملح، كما عودناكم دائمًا، في هذا العدد من صحيفة “سمانيوز”، نتعمق في قضية التنظيمات الإرهابية المعقدة، وهي ظاهرة نرفضها جميعًا بشكل قاطع ونقف ضدها. ولقد تحمّل الجنوب وطأة هذه الآفة، وتحمل المعاناة وفقدان الأحباء على أيدي الإرهابيين ومن عاونهم.
يُعرف الإرهاب في السرية والتخطيط الدقيق، ويهدف إلى تحقيق أهداف سياسية واجتماعية من خلال العنف والتفجيرات واستهداف الشخصيات العسكرية والسياسية، وكذلك المدنيين الأبرياء، مما يخلق جوًا من الخوف والدمار. يتتبع الباحثون جذور الإرهاب إلى رغبة الإنسان المتأصلة في السيطرة والهيمنة، والتي غالبًا ما تتحقق من خلال التخويف والإكراه. ويعرف الإرهاب بأنه الاستخدام المتعمد للعنف من قبل جهات فاعلة غير تابعة للدولة أو عملاء سريين لأغراض سياسية ضد أهداف غير مقاتلة، وغالبًا ما يتم تمويله ودعمه من قبل دول معادية أو حتى النظام الحاكم داخل البلد لأجنداتهم الخاصة.
القاعدة في الجنوب .. تاريخ من العنف :
تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وهو منظمة إرهابية تتخذ من الجنوب مقراً لها، كان لاعبًا رئيسيًا في مشهد الإرهاب في المنطقة. يمكن إرجاع ظهوره إلى أعقاب توحيد اليمن عام 1990 وحرب الاحتلال في عام 1994م. حيث قام نظام الاحتلال اليمني الذي كان يترأسه علي عبدالله صالح وحلفاؤه من الإخوان المسلمين بجلب عناصر القاعدة من أفغانستان، للمشاركة في العمليات العسكرية ضد الجنوب. كمكافأة لهم، سمح نظام صالح لهؤلاء المقاتلين بالاستقرار في الجنوب بل ودمج بعضهم في جيش الاحتلال برتب عليا. تم تأكيد هذه المعلومات من قبل عضو سابق في القاعدة ظهر على إحدى القنوات الفضائية وتبرأ علنًا من انتمائه وألقى الضوء على دور نظام عفاش في رعاية الإرهاب.
صعود الإرهاب في الجنوب :
أصبح التأثير الحقيقي للإرهاب واضحًا بين عامي 1990 و1994م. بعد توطيد سيطرتهم على الجنوب، سعى نظام الاحتلال اليمني وحلفاؤه من الإخوان المسلمين (حزب الإصلاح ) إلى تصوير المنطقة على أنها ملاذ للإرهابيين، مبررين إجراءاتهم القمعية ضد الجنوبيين. كان تفجير المدمرة الأمريكية كول عام 2000، وهو هجوم انتحاري على المدمرة الأمريكية الرأسية في عدن، بمثابة نقطة تحول، وتلت ذلك هجمات أصغر، بما في ذلك إطلاق النار عام 2008 على قافلة سياحية في حضرموت، مما أسفر عن مقتل سياح بلجيكيين ومرشديهم ، كما نفذت القاعدة اغتيالات لأفراد أمنيين وقادة عسكريين وشخصيات مدنية في جميع أنحاء الجنوب . في حين وقعت هجمات في أجزاء أخرى من اليمن، إلا أن محافظات الجنوب، ولا سيما العاصمة عدن وحضرموت، تحملت النصيب الأكبر من موجات العنف.
في عام 2011، استغلت القاعدة فراغ السلطة الذي أحدثته الأزمة اليمنية فيها وسيطرت على محافظة أبين بسبب تقاعس قوات الاحتلال اليمني. كما مكنت حرب 2015 التي خاضها الحوثيون وعفاش ضد الجنوب القاعدة من السيطرة على ساحل حضرموت، الذي تم تحريره لاحقًا من قبل قوات النخبة الحضرمية بدعم من الإمارات العربية المتحدة، على الرغم من النكسات، تواصل القاعدة شن هجمات متفرقة في العاصمة عدن وحضرموت ومحافظات جنوبية أخرى.
أهداف الإرهاب في الجنوب :
يخدم وجود الجماعات الإرهابية في الجنوب أغراضًا خبيثة متعددة، أحد الأهداف الأساسية هو ترسيخ الجنوب كأرض خصبة للإرهاب وتجنيد الشباب، وهذا يسمح للاحتلال اليمني بتبرير انتهاكاته لحقوق الإنسان من خلال وصف أي حركة احتجاجية للمطالبة بطرد الاحتلال بأنها “إرهابية” ويؤدي إلى استمرار رواية الجنوب كبؤرة للتطرف، بالإضافة إلى ذلك، يتم استخدام المنظمات الإرهابية للقضاء على الشخصيات السياسية والعسكرية الجنوبية، مما يخلق مناخًا من الخوف وانعدام الأمن، ويصرف الانتباه عن السعي لتقرير المصير واستعادة الجنوب.
علاوة على ذلك، يهدف الإرهاب إلى ردع الاستثمار والتنمية في الجنوب، مما يضمن الركود الاقتصادي والاعتماد على الشمال .. يستغل النظام تهديد الإرهاب لتأمين الدعم المالي من القوى الدولية والإقليمية، بينما يحول تلك الأموال لتعزيز جهازه العسكري لتحقيق مكاسب شخصية.
كشف المحركين للدمى :
من يقف وراء الإرهاب؟
في حين أن دور النظام في الدعم والتلاعب بالجماعات الإرهابية من التسعينيات إلى 2012 لا يمكن إنكاره، إلا أن جهات فاعلة محلية وأجنبية أخرى شاركت أيضًا. كان حزب الإصلاح، وهو حزب سياسي يمني ذو ميول إسلامية، داعمًا رئيسيًا للقاعدة. تلقى العديد من أعضاء القاعدة تدريبات أيديولوجية ولوجستية في المدارس والمراكز التي يديرها قادة الإصلاح، وتم تصنيف العديد من شخصيات الإصلاح على أنهم إرهابيون من قبل جهات دولية،
حتى بعد سقوط نظام صالح، واصل الإصلاح دعم هذه الجماعات واستخدامها لشن هجمات ضد خصومها الجنوبيين. والجدير بالذكر أن زعيمًا بارزًا في الإصلاح وعضوًا سابقًا في القاعدة قام بتنسيق تجنيد المقاتلين الأجانب لحرب 1994. ويتضح تواطؤ الحزب بشكل أكبر من خلال الهروب المتكرر لقادة وأعضاء القاعدة من مرافق الاحتجاز التي يسيطر عليها الإصلاح.
كما لعبت القوى الإقليمية دورًا في دعم الإرهاب في جنوب اليمن من خلال حزب الإصلاح، مما يخدم أجنداتها السياسية الخاصة، حتى مع تطور الوضع في اليمن وحدوث انقلاب الحوثيين، ظهر لاعبون جدد لدعم الجماعات الإرهابية. وشكل الحوثيون تحالفات مع القاعدة، وأطلقوا سراح أعداد كبيرة من أعضائها وقادتها من سجونهم مقابل شن هجمات أو تسهيل أهداف الحوثيين.
الحرب على الإرهاب في الجنوب :
بعد انتصار عام 2015 ضد ميليشيات الحوثي، بدأت القوات المسلحة الجنوبية، بدعم من التحالف بقيادة السعودية وخاصة الإمارات العربية المتحدة، في مكافحة الإرهاب في الجنوب ونجحت قوات النخبة الحضرمية بدعم كبير من الإمارات العربية المتحدة، في تحرير ساحل حضرموت من القاعدة، مما أدى إلى إرساء الأمن والاستقرار في المنطقة.
امتدت الحرب على الإرهاب إلى العاصمة عدن، حيث اغتال تنظيم داعش المحافظ السابق جعفر محمد سعد. وبعد تولي الرئيس عيدروس الزُبيدي قيادة المحافظة ومدير الأمن شلال شائع، شنت القوات الجنوبية، بدعم من الإمارات العربية المتحدة، عملية واسعة النطاق في مارس 2016 لتحرير مديرية المنصورة في العاصمة عدن من سيطرة داعش. وجهت هذه العملية ضربة كبيرة للتنظيم الإرهابي، على الرغم من استمرار الجهود للتتبع والقضاء على العناصر المتبقية.
حيث شكل المجلس الانتقالي الجنوبي وحدات متخصصة في مكافحة الإرهاب، وقام بعمليات ناجحة ضد القاعدة في أبين وشبوة ولحج. وحظيت حملة “سهام الشرق” التي تهدف إلى القضاء على القاعدة من أبين بدعم محلي ودولي كبير، على الرغم من مواجهة التحديات، تواصل القوات المسلحة الجنوبية تحقيق تقدم كبير في الحرب على الإرهاب، مما أكسبها تقديرًا وثناءً من الشركاء الدوليين والإقليميين.
دعم حرب الجنوب على الإرهاب :
في الختام، نحث المجتمع الدولي والشركاء الإقليميين على دعم القوات المسلحة الجنوبية في حربها على الإرهاب.
إن جهودهم ليست حاسمة فقط لأمن واستقرار الجنوب ولكن أيضًا للمنطقة بأسرها. من خلال الوقوف مع الجنوب، يمكننا ضمان مستقبل أكثر أمانًا وازدهارًا للجميع.