تقارير وحوارات

يوم “العلم الجنوبي” أحد الشواهد الدالة على انهيار المنظومة التعليمية في الجنوب عقب الوحدة المشؤومة

كريترنيوز /صحيفة شقائق/ تقرير / فتحية علي

في العاشر من سبتمبر 1975م اختتمت أعمال المؤتمر التربوي الأول بالعاصمة عدن، إبان جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، أقر خلاله المجتمعون اعتبار يوم العاشر من سبتمبر من كل عام يومًا وعيدًا (للعلم) في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، يتم فيه الاحتفاء بالإنجازات العلمية في كافة المجالات والتخصصات، وتكريم أوائل التلاميذ في ختام المرحلة الأساسية والثانوية العامة، ومعاهد التعليم الفني والتقني وكليات جامعة عدن والخريجين من الجامعات في الخارج، وكذا تكريم ودعم الأسر المثالية والمبدعين في المجالات العلمية والأدب والفن والرياضة.

 

وعلى إثر الإنجازات العلمية التي تحققت في الجنوب ارتفعت نسبة المتعلمين وانخفضت نسبة الأمية، حيث أعلنت منظمة اليونسكو العالمية في 6 أبريل 1985 أن جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية تحتل المرتبة الأولى في دول شبه الجزيرة العربية من حيث التعليم، وأن نسبة الأمية تساوي %2 من عدد السكان.

 

لم يأتِ هذا الإعلان الأممي من فراغ، بل جاء تتويجاً لسنوات طويلة من الجهد والاهتمام بالتعليم، حيث أعلنت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية حربها على الجهل والأمية، وسخرت كل إمكانياتها لأجل تعليم جميع أفراد الشعب صغاراً وكباراً، وبفضل الله ثم بالمثابرة تمكنت من القضاء على الأمية، وأحدثت نقلة وتغييراً جذرياً انتشل الشعب من ظلمات الجهل إلى نور العلم، الذي بدوره قاد الشعب إلى مراحل البناء والتطور والتنمية والتأسيس لدولة مؤسسات مدنية حديثة، فكانت حقيقة دولة حضارية وشعباً متعلماً يسيران في توازٍ إلى الأعلى، يواكبان التطورات المعاصرة الحاصلة في العالم من حولنا.

 

تعليم مجاني:

 

يحتفي شعب الجنوب بهذه المناسبة وكله حسرة وألم على الدمار الذي لحق بالمنظومة التربوية والتعليمية في الوقت الراهن، يسترجع ماضي ذكريات الزمن الجميل كان فيه العلم مجانياً، كما كان يتم نقل الطلاب من منازلهم إلى المدارس يومياً على مدار العام الدراسي مجاناً على نفقة الدولة، وشُيّدت مدارس للبدو الرحل وسكن للطلاب مع 3 وجبات مجانية يومياً على مدار العام الدراسي على نفقة الدولة.

كما شُيّدت مساكن للمعلمين وسكن داخلي وتغذية ومبالغ مالية شهرية تصرف للطلاب بالثانويات والمعاهد والكليات، إلى جانب الاهتمام الكبير بقطاع التربية والتعليم، وتشجيع ودعم النشء على الالتحاق بالمدارس.

 

تشجيع ودعم الأسرة على تعليم الفتاة:

 

شواهد كثيرة تدل على أن التعليم في الجنوب تعرض لانتكاسة عقب توقيع الوحدة اليمنية المشؤومة في العام 1990م، انتكاسة هي الأسوأ في تاريخ الجنوب المعاصر.

قبل الوحدة كانت الفتاة الملتحقة بالمدرسة خصوصًا في الأرياف تحظى بامتيازات خاصة، تتحصل على مواد غذائية وحليب مجفف شهرياً لها ولجميع أفراد أسرتها على نفقة الدولة، كما اهتمت الدولة بشريحة المعلمين.

 

هيبة المعلم من هيبة الدولة:

 

لقد استمد المعلم هيبته ومكانته المرموقة في المجتمع وفي مرفق العمل من هيبة وقوة الدولة، فقد كان هو المعلم والأب ويحظى بالتقدير والاحترام داخل وخارج المدرسة أو المرفق التعليمي. كان المساس به يعد مساسًا بالدولة، فالمعلم إبان جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية كان (خط سيادي أحمر)، يتمتع بميزات خاصة ويحظى براتب شهري محترم إلى جانب السكن والغذاء المجاني.

 

ولكن للأسف المعلم في الوقت الراهن فقد كل الامتيازات بما فيها الاحترام والتقدير والهيبة، وصولاً إلى فقدان راتبه الشهري، والانتقاص من كرامته حتى أصبح مدعاة للسخرية من قبل تلاميذه.

أصبح المعلم الجنوبي لا يبحث عن الامتيازات التي فقدها بقدر ما يطالب براتب يحفظ له كرامته ويوفر لقمة عيش كريمة لأسرته.

لقدأصبح حال المعلم والتعليم عقب العام 90م كارثياً لا يوصف، سياسة تجهيل أعادت منسوب الجهل والأمية إلى ما قبل العام 1975م.

منذ إعلان مشروع الوحدة اليمنية المشؤومة عادت عجلة العلم والمعرفة والتحصيل العلمي والمعرفي في الجنوب إلى الخلف عشرات السنين، عقب أن تعرضت مؤسسات الدولة الجنوبية للتدمير الممنهج خصوصًا عقب العام 1994م.

أغلقت وأهملت عشرات المراكز البحثية وألغيت كافة الامتيازات التي كان يتمتع بها التلميذ والمعلم، كما تم تحريف المناهج التعليمية في المدارس إلى مناهج التطرف والمغالطات الدينية والتاريخية، مناهج تنسجم مع دولة القبيلة القائمة في صنعاء اليمنية.

كذلك تمت مصادرة التعليم المجاني واستهداف المعلم فكرياً ومعيشياً، وحرمان أبناء الجنوب من التعليم العالي في الجامعات الخارجية.

مورس التجهيل الممنهج للطلاب والطالبات في عموم مدارس مديريات ومحافظات الجنوب.

لقد تعمد المحتل اليمني ضرب قطاع التربية والتعليم في الجنوب وإصابته في مقتل، وتم تجهيل الأجيال حتى يتمكن المحتل من إحكام سيطرته على الجنوب إرضًا وإنسانًا، انطلاقاً من المقولة بإن الشعب الجاهل يسهل السيطرة عليه.

 

ختامًا..

في ذكراه الـ 49، يبقى يوم (العلم الجنوبي) أحد الشواهد الدالة على انهيار المنظومة التعليمية في الجنوب عقب الوحدة المشؤومة، وبحاجة إلى إعادة تصحيح مساره وإصلاح ما أفسده المحتل اليمني.

يقول أحد المستشرقين إذا أردت أن تهدم حضارة أمة، فهناك وسائل ثلاث هي: هدم الأسرة، وهدم التعليم، وإسقاط القدوات والمرجعيات.

لكي تهدم الأسرة عليك بتغييب دور الأم، اجعلها تخجل من وصفها ربة بيت. ولكي تهدم التعليم عليك بالمعلم، لا تجعل له أهمية في المجتمع، وقلل من مكانته حتى يحتقره طلابه. ولكي تسقط القدوات عليك بالعلماء، اطعن فيهم وقلل من شأنهم، شكك فيهم حتى لا يسمع لهم، ولا يقتدي بهم أحد. فإذا اختفت الأم الواعية، واختفى المعلم المخلص، وسقطت القدوة والمرجعية، فمن يربي النشء؟! وكيف يصبح حال الأجيال التي يستقيم بها الوطن.

زر الذهاب إلى الأعلى