تجارة التعليم في حضرموت .. معاناة الطلاب في الدراسة والسكنات

كريترنيوز / تقرير / أحمد باعساس
العلم نور والجهل ظلام، مقولة لطالما خلدها التاريخ تصف أهمية التعليم ودوره في تطوير المجتمعات والشعوب، وسبب رقيها وازدهارها، لكن في حضرموت وفي ظل الأوضاع الراهنة من ارتفاع الصرف الذي بات كالسوس الذي ينخر في جميع الخدمات التي يحتاجها المواطن.
جعل التعليم بمثابة مهمة أشبه بالمستحيل، في ظل هذه الأمور، أصبح تجارة وخاصة طلاب النفقة الخاصة أو الموازي، فالكثير من الطلاب خرجوا من الدراسة وذهبوا بحثا عن العمل بسبب ارتفاع تكاليف الدراسة وتكاليف إيجارات السكنات وتكاليف التعذية وغيرها الكثير من المعاناة والقصص حول هذا الموضوع.
رحلة البحث عن السكنات :
رحلة البحث عن السكنات أشبه بالبحث عن الكنز المدفون، أو ماتسمى بلعبة ((جزيرة الكنز ))، فيبدأ الطالب مرحلة أو رحلة طويلة جدا للعثور على سكن يناسبه وفق إمكانياته الضعيفة ، فيجد سكنا فيه الإيجار 20 ألفا في السنة، والتغذية تبلغ 45 ألفا في الشهر ، ولو قمنا حسابها لوجدت أن إجمالي التغذية سيكون في السنة 360 ألف ريال يمني، هذا بالنسبة للسكنات البسيطة التي لاتملك الدعم ، وليست مدعومة. وللأسف لم تلق اهتماما من قبل السلطة المحلية كأمثال : (سكن الريادة الجامعي) الذي يضم خيرة شباب شبوة من طلاب جامعات ومعاهد يصارعون الحياة ويصابرون أنفسهم لإكمال تعليمهم الجامعي دون أن تلتفت لهم السلطة المحلية، أما بالنسبة للسكنات المدعومة كأمثال سكن الأوائل وهي من السكنات التي تتبع جمعية رعاية طالب العلم، فتجد الإيجار في السنة حوالي 60 ألفا و مبلغ التغدية تحدده لجنة التغذية، ودخوله ليس بالأمر الهين، ففي عام 2023-2024 عندما تم إعلان التسجيل في السكن ، وذهب الطلاب ليسجلوا في السكن ، وكان عليهم تعبئة استمارة التسجيل ودفع مبلغ 500ريال ، وتدخل للمقابلة وتجد أربعة أشخاص وتسلم عليهم وتعرفهم عن نفسك، ويسألونك ما الشيء المميز فيك عشان نختارك من بين البقية؟
ومن ثم تخرج وبعد أيام يتم الإعلان عن المقبولين في السكن ونسبة قبولك هي 5% إذا لم يكن لديك فيتامين (و).
انتهى الطالب من هذا السكن وذهب للبحث عن سكن آخر وهكذا تضيع أوقات الطلاب في البحث عن السكنات فهو بين شيئين أحلاهما مر ، ٳما أن يسكن في السكنات البسيطة ويخسر مبالغ أكثر ، أو يبحث له عمن يتوسط له في السكنات المدعومة.
لا دراسة بدون مال :
الطالب الذي لديه نية وإخلاص للدراسة وشغف كبير وهو لايمتلك المال الكافي لدراسته، سيتحطم في النهاية وسيجد الأبواب مغلقة ٲمامه وسيكره شيئا يسمى دراسة خاصة ٳذا لم يجد من يقف معه أثناء مسيرته التعليمية من احتياجاته في الأكل، والشرب،والسكن ،والعلاج، والتنقل وغيرها، أضف ٳلى ذلك الرسوم الدراسية واحتياجاتها من طباعة لبعض المحاضرات، أو كتابة البحوث، وغيرها.
الكثير من الطلاب يصفون معاناتهم ومن أمثالهم الطالب : ٲ. ع. ب الذي يقول إنه تعب كثيرا وصارع كثيرا لأجل الدراسة، فيمضي أياما طعامه التمر والماء، ويخشى المرض، ليس اعتراضا لأمر الله، ولكن لعدم توفر المال لديه للعلاج.
ويقول : ذات مرة مرضت ، واتصلت على والدي اطلب منهم المال ، واخبروني أنهم سيحولون لي المال رغم أنهم لم يكونوا يملكون المال ، ومضت ثلاثة أيام لم يصلني المال وساءت حالتي وتدهورت، فأضطررت للسفر للبلد ورجعت وأنا غير قادر على السير ، وامشي بعصا وتناولت الكثير من المهدئات دون فائدة ولم استطع النوم، إلا بعد أيام من ٳجراء عملية جراحية لرجلي ، وعند خروج الدم شعرت بالدوار ، بسبب قلة الأكل وسوء التغذية في السكن.
سكنات بدون خدمات :
السكنات البسيطة التي هي غير مدعومة غالبا ماتجد فيها نقص في الخدمات من انقطاع للمياه لأسابيع، وعدم توفر مولدات في حال انقطاع الكهرباء ، تقطع في التغذية، عدم توفر أغطية وفرش نظيفة ، غرف غير نظيفة ومملؤة بالأكياس ويتكاثر فيها البعوض، عند حدوث خلل في الماء أو الكهرباء لايتم إصلاح الخلل مباشرة ، وإنما يبقى الخلل لأسابيع حتى يتم إصلاحه. تلاحظ على طلاب هذه السكنات انخفاضا كبيرا بالوزن بدرجة مخيفة. الطلاب الذين يعتمدون على الدعم من أهاليهم ذوي الدخل المحدود يعانون كثيرا، فلا يوجد مايكفيهم لشراء الغذاء وأغلب أوقاتهم أطعمتهم متكررة. ويصف لي ٲحد الطلاب متحدثا حول معاناته مع الغذاء ٲ. ع. ب قائلاً : كان يجب علي أن أصرف ألف ريال في اليوم مابين فطور وغذاء وعشاء فٲهلي لايستطيعون توفير أكثر من ذلك المبلغ.
ويقول : فكنت أوزعه على التالي : 200 وجبة إفطار، 500 وجبة غداء، و300 وجبة عشاء، أما عن وجبة الفطور فكانت تتمثل في حبة خبز وواحد شاي، أما عن الغذاء فكان يتمثل في حبة اندومي وبسكويت كاكاو، اما عن العشاء فكان يتمثل في حبتين خبز وواحد شاي ، هذا كان طعامهم اليومي لم يمل لأنه كان مجبرا على ذلك.
ويقول ع. م. ب : إنه منذ قدومه للسكن نقص من وزنه 2كيلو جرام.
مناشدات :
قدم الكثير من الطلاب مناشدات للسلطة المحلية بمحافظة حضرموت بطلب تقديم الدعم للسكنات غير المدعومة والتي تعاني من عدم توفر المياه وانقطاع التغذية ، كما طالب الطلاب من السلطة المحلية بتخفيف العبئ عليهم ، بتوفير بعض المواد الغذائية وتقديم بعض المساعدات المالية تشجيعا للطلاب على مواصلة تعليمهم. ولكن الكثير من المناشدات لم يتم النظر ٳليها مما جعل الكثير من التخصصات تتوقف ويقل الإقبال على الجامعات والمعاهد وعلى بعض التخصصات مثل تخصص الفلسفه والتاريخ في جامعة حضرموت وضعف الإقبال على تخصص الإنجليزي وغيرها من التخصصات. أما بالنسبة للمعاهد الخاصة فتفرض رسوما بالدولار لبعض التخصصات ، مما يجعل الراغبين في هذا التخصص أما أنه يدفع بالدولار، أو يبحث عن جامعة يسجل فيها، ولابد أن يكون لديه نسبة تؤهله للتخصص وٳلا فعليه دخول نظام الموازي ٲو النفقة الخاصة.
العسكرة دمّرت التعليم :
قبل سنوات كانت هنالك مقولة مشهورة وهي تقول(العسكرة شجرة لايستظل تحتها ٳلا الفاشلون )، أما الآن أصبحت شجرة يستظل تحتها الطلاب والمعلمون والخريجون، وبات المعلمون الآن يتوافدون ٳلى الجبهات، وخريجو كلية النفط والبترول والهندسة وغيرها من التخصصات العلمية المهمة التي يحتاجها المواطن في حياته اليومية، أهدر الزخم الكبير للسلك العسكري والرواتب الباهضة التي يستلمها العسكري جعلت لنقل أغلب الناس يتجهون للسلك العسكري الجاهل والمتعلم، الكبير والصغير ، مما جعل أهمية التعليم تضعف عند الناس وتضعف قيمة المعلم وأصبح الطالب يكره التعليم ويعتبر التعليم عبارة عن مؤسسة تفرض عليه ضرائب لقاء تلقينه دروس لاتفيده في حياته ، ودروس مملؤة بالحشو والتكرار والإعجاز العقلي للطالب، مما جعل الكثير من الطلاب يخرجون من المدارس والجامعات ويذهبون للسلك العسكري، حتى المعلمين اتجهوا للالتحاق بهذا السلك ، وكل ذلك بسبب ارتفاع الصرف وتوفر عملة الريال السعودي كراتب شهري ، جعل الناس عامة والطلاب والمعلمين والخريجين خاصة- كالمجانين يركضون للالتحاق بهذا المجال، ضاربين بالتعليم عرض الحائط ، والأسوأ من ذلك أن أصحاب السلك العسكري يطلبون اللجوء أصحاب الشهادات بنوعيها الثانوية والجامعية، في خطة ممنهجة لتدمير التعليم ولردع الطلاب عن الاستمرار في التعليم، والمساهمة في تدهور الدولة، فبدلا من ٲن يتم دعم الطلاب والمعلمين يتم تهميشهم، ويتم دعم السلك العسكري وطلب أصحاب الشهادات.