تقارير وحوارات

“الضربات الأمريكية للحوثيين.. ضغط سياسي لتمرير خارطة الطريق لا للحسم العسكري”

كريترنيوز /تقرير/جميل الشعبي

تُظهر التطورات الأخيرة في المشهد اليمني أن الضربات الأمريكية على جماعة الحوثي، رغم استمرارها لأكثر من شهر، لم تكن تهدف إلى الحسم العسكري، بقدر ما جاءت كجزء من عملية ضغط منسقة تهدف إلى جرّ الحوثيين نحو قبول خارطة الطريق التي أعدتها السعودية، برعاية الرباعية الدولية (الولايات المتحدة، بريطانيا، الإمارات، والسعودية).

أولاً: أهداف الضربات الأمريكية – عسكرية أم سياسية؟

الضربات الجوية الأمريكية، وإن بدت في ظاهرها عمليات ردع عقب استهداف الحوثيين للملاحة الدولية، إلا أنها من منظور سياسي أقرب إلى أوراق الضغط التكتيكي، وليست استراتيجية اجتثاث. فواشنطن وحلفاؤها الإقليميون لا يسعون – وفق المؤشرات – إلى كسر الحوثي، بل إلى إعادته إلى الطاولة بشروط تضمن له مكانًا ضمن التسوية القادمة.

ثانيًا: موقع الشرعية في المعادلة

الحكومة الشرعية اليمنية، التي تُفترض أن تكون الطرف الأساسي في أي مفاوضات مستقبلية، تبدو اليوم أقرب إلى دور التابع منه إلى الفاعل. افتقادها للقرار السياسي المستقل، وضعف تأثيرها على الأرض، يجعلانها خارج الحسابات الرئيسية لصناعة التسوية، ما يجعل منها عنصرًا هامشيًا في معادلة ترسمها الرباعية وتحاول فرضها كأمر واقع.

ثالثًا: خارطة الطريق السعودية: فرض تسوية لا صناعة سلام

خارطة الطريق التي تقودها السعودية، وتبدو محل إجماع دولي، تندرج ضمن استراتيجية “خفض التصعيد مقابل ضمانات سياسية”، لكن من دون معالجة جوهرية لمسببات النزاع. الإبقاء على الحوثي كمكوّن سياسي، في ظل تجاهل ملف العدالة الانتقالية ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات، قد يُنتج سلامًا هشًا، قابلًا للانفجار في أي لحظة.

رابعًا: هل الحوثي جاد فعلًا؟

السوابق التاريخية لتعامل الحوثيين مع المفاوضات تُظهر أنهم يجيدون استخدام التهدئة كأداة تكتيكية، لا استراتيجية. ولذا فإن الحديث عن قبولهم بخارطة الطريق لا يعني بالضرورة قناعة بالسلام، بل ربما استغلال للفرصة لإعادة ترتيب الأوراق والظهور بصورة الشريك القوي القادر على فرض شروطه.

خامسًا: صفقة أمريكية-حوثية خارج الشرعية؟

القلق الأكبر اليوم يتمثل في إمكانية إبرام تفاهمات ثنائية بين الولايات المتحدة والحوثيين، بعيدًا عن الحكومة اليمنية أو حتى بعض أطراف التحالف. مثل هذا السيناريو، إن تحقق، قد يُنتج واقعًا سياسيًا جديدًا، تفرض فيه الجماعة نفسها كقوة شرعية بحكم الأمر الواقع، ويفتح الباب أمام إعادة توزيع النفوذ، بما يعمق الانقسام بدل أن يحله.

ختامًا: اليمن بين خيارات صعبة ومسارات غير مضمونة

ما يجري اليوم يؤكد أن المجتمع الدولي لا يبحث عن حل شامل للأزمة اليمنية، بل عن تسوية تُراعي التوازنات الإقليمية والدولية، حتى وإن جاءت على حساب إرادة الداخل اليمني. ومع ذلك، فإن أي سلام لا يعالج جذور الأزمة ولا يُنهي سطوة السلاح، سيظل مجرد هدنة مؤقتة تُمهّد لصراع جديد.

زر الذهاب إلى الأعلى