تصدع خطير في قمة الشرعية.. “انفصام سياسي” داخل المجلس الرئاسي.. هل يتجه التحالف نحو إعطاء الأولوية لقضية شعب الجنوب ؟؟

كريترنيوز / تقرير
لم تأتِ القضية الجنوبية من فراغ، بل من معاناة أرض وإنسان، دولة مختطفة وشعب يناضل منذ العام 1994م مروراً بثورة 7 يوليو 2007م السلمية التحررية، ثم حرب تحرير الجنوب 2015م من الغزو الحوثي عفاشي حتى اللحظة، لاجل استعادتها “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية”، التي زج بها على غفلة وعجالة تحت تخدير الشعارات القومية العربية في أتون وحدة اندماجية غير متكافئة ولا منطقية في العام 1990م. قُدمت قوافل من الشهداء والجرحى، ولا تزال مسيرة النضال التحرري بكل أشكاله مستمرة.
القضية الجنوبية.. اعتراف ضمني بالخطأ التاريخي لقيادات الجنوب:
يرى كثير من الساسة والمحللين الجنوبيين والعرب، أن القضية الجنوبية تمثل اعترافاً علنياً وصريحاً بالخطأ التاريخي الذي ارتكبته القيادة السياسية الجنوبية آنذاك. خطأ يجب تداركه لاستحالة استمرار تبعاته أو التعايش معها، وحان الوقت لتصحيحه لعدة أسباب منطقية، منها: العادات والتقاليد المتنافرة بين مجتمع أكثر انفتاحاً وتعايشاً مع الآخر في الجنوب عاصمته عدن، متأثراً بثقافات الشعوب الأخرى، بحكم موقعه الجغرافي على طريق التجارة العالمية، ونهجه المعتدل، الوسطية في الإسلام، بعيداً عن الغلو أو الإسلام السياسي أو استخدام الدين الإسلامي جسر عبور لتحقيق أهداف أخرى. مجتمع نشأ وترعرع في ظل دولة قائمة على المؤسسات والعدل والمساواة، يحتكم الجميع فيها طوعاً وكرهاً دون استثناء إلى القانون والقضاء.
ومجتمع آخر في اليمن عاصمته صنعاء، همجي محجوب عن العالم والحداثة، شبه منغلق على نفسه، تتحكم فيه قوى تقليدية طبقية أزلية (دينية، قبلية وعسكرية) مقيدة بعادات وتقاليد متوارثة وأعراف قبلية، يسودها التطرف الديني والتعصب المذهبي والقبلي، تتعارض مع مقومات الدولة المدنية الحديثة التي ينشدها ويتطلع إليها الجنوبيون. وكانت تجربة الوحدة المشؤومة بين الجنوب والشمال خير دليل على ذلك، عندما باءت بالفشل الذريع، وتحولت من وحدة طوعية بين حزبين حاكمين إلى احتلال حقيقي في صورة وحدة قهرية استبدادية لشعب الجنوب بعد حرب صيف 1994.
لهذا، يتعين على دول التحالف العربي استيعاب تلك الحقائق، ووفقاً للمعطيات المرسومة على أرض الواقع في الوقت الراهن، بعيداً عن أي حسابات أو عواطف قومية ودينية أو مصالح أنانية.
قضية شعب الجنوب مفتاح الحل:
مجددين التأكيد على أن قضية شعب الجنوب مفتاح حل جميع الأزمات اليمنية المنظورة أمام المجتمع الإقليمي والأممي، وأن تجاهلها أو الهروب منها يفاقم الأزمات ويطيل أمدها، وقد يترتب على ذلك سلبيات تطال دول الجوار..
لذا، على التحالف العربي والمجتمع الأممي اعطاؤها الأولوية، ليس حباً في سواد عيون الجنوبيين أو الشفقة بهم، ولكن احتراماً لإرادة الشعبين، وتجاوباً مع المعطيات المرسومة على أرض صنعاء وعدن، ومع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ولإثبات المصداقية وحسن النوايا، لضمان نجاح أي تسوية سياسية قادمة تعيد للمنطقة أمنها واستقرارها، وتوقف نزيف الدم، في ظل تقارير إعلامية تتحدث عن مداولات تجري حاليًا بين السعودية والولايات المتحدة وبريطانيا، بشأن إطلاق مبادرة إنقاذ متكاملة لليمن، تتضمن مسارًا سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا، وتهدف لإعادة ضبط المشهد اليمني تحت مظلة توافق دولي وإقليمي.
قوى يمنية إقليمية تضغط لإبعاد القضية الجنوبية عن الاهتمام الدولي:
الحرب على القضية الجنوبية ليست وليدة الساعة، لا سيما الاعتراف بها معناه اعتراف علني بفشل وثيقة الوحدة اليمنية، واعتراف صريح بحق شعب الجنوب في تقرير مصيره واستعادة دولته، بحسب مراقبين.. مشيرين إلى أن عملية السلام تظل مؤجلة إلى أجل غير مسمى إذا ما استثنت قضية شعب الجنوب، أو في حال لم توضع في إطارها الطبيعي، في ظل ضغوط يمنية إقليمية خبيثة تمارس لإبعادها عن الاهتمام الدولي..
مشددين على أن ترحيل قضية الجنوب إلى ما بعد عملية السلام خدعة سياسية بامتياز، لا يمكن ان يقبلها العقل البشري السليم.. مؤكدين في الوقت ذاته أن الحاصل هو استسلام وانحناء إقليمي أمام ضغوط أطفال صعدة، لا يعني الجنوبيين وغير ملزمين بالانصياع له.
رئاسي يعاني حالة انفصام سياسي:
استبعاد القضايا السياسية المهمة، في طليعتها قضية شعب الجنوب، وتجاهل الأمر الواقع المرسوم شمالاً وجنوباً، أفرز تسويات سياسية هشة، بل وغير منطقية، حبيسة دائرة الفشل الحتمي، المجلس الرئاسي المكون من 8 رؤساء يظل في مقدمتها، بحسب دراسات وتقارير إعلامية.. مشيرة إلى أنه منذ تشكيله في 7 أبريل 2022، يعاني حالة انفصام سياسي وتشرذماً وتنافراً وعدم انسجام، وانعدام الثقة بين أعضائه، وفي ظله برزت مشكلات كثيرة وأزمات وقف عاجزاً أمامها.
8 رؤوساء يمثلون قوى سياسية وعسكرية متنافرة، لا تستطيع قيادة سفينة واحدة والوصول بها إلى بر الأمان، فلكل قبطان وجهة مختلفة عن الآخر، وهدف بعيد عن الآخر يسعى إلى تحقيقه أو الوصول اليه. لن تستطيع السفينة الإبحار والسير في عدة اتجاهات في وقت واحد.
الانتقالي عبر ممثليه في الرئاسي (الزبيدي والمحرمي والبحسني) يسعون إلى تحقيق طموح شعب الجنوب الذي فوضهم، بفك ارتباط الجنوب عن اليمن. فيما تسعى بقية القوى اليمنية في الرئاسي، إخوانية عفاشية (العليمي والعليمي وعفاش والعرادة ومجلي)، إلى تثبيت الوحدة اليمنية.
قيادات تقف على طرفي نقيض تحمل اكثر من مشروع، لن يحالفها الحظ قطعاً. فالقوى اليمنية تسعى جاهدة لإعادة الجنوب إلى باب اليمن، فيما يسعى الانتقالي إلى طرد تلك القوى وتحرير الجنوب من الوجود اليمني.
مبادئ وأهداف يراها جميع الأطراف في الرئاسي رئيسية لا يمكن التفريط فيها، فيما أصبحت مسألة تحرير صنعاء من قبضة الحوثيين، أو رفع المعاناة عن شعب الجنوب أمور استثنائية غير ذات أهمية.
فشل الرئاسي انعكس سلباً على شعب الجنوب:
في الوقت الذي استفرد الحوثيون باليمن شمالاً، استفرد المجلس الرئاسي بالجنوب واتخذ من العاصمة عدن مركزاً لإقامته، إقامة مريبة لا تبشر بخير، فرضها التحالف العربي على شعب الجنوب، استنزفت موارد وثروات بلاده، وأصبح الفساد ونهب المال العام روتيناً طبيعياً للسلف والخلف في الحكومات المتعاقبة، وتفافمت المشاكل في ظل انشغال قيادات الرئاسي بملفات وصراعات داخل هيكله المتصدع، بعيداً عن معاناة المواطن.
ومع هكذا اختلال في هرم الرئاسي، برزت العديد من الأزمات التي ألقت بظلالها على المواطن الجنوبي، أهمها انهيار العملة المحلية، الريال اليمني الطبعة الجديدة المتداولة في الجنوب، وما تبعها من انهيار اقتصادي وغلاء معيشي تاريخي، وانهيار غير مسبوق في منظومة كهرباء العاصمة عدن، وتوقف رواتب الموظفين رغم إفراغها من قيمتها الشرائية، وانهيار المنظومة التعليمية وأزمة المشتقات النفطية والغاز، وغيرها من الأزمات الخانقة التي يراها مراقبون مفتعلة، تقف خلفها إرادة سياسية كان للتنافر الحاصل في هيكل الرئاسي دور في تغذيتها وتعميقها وإغلاق أفق حلها.
تسويات إقليمية يمنية تضرب الجنوبيين بنفس العصا العفاشية:
تسويات إقليمية يمنية مبطنة بسياسات عفاشية خبيثة ضد الجنوبيين ومشروعهم التحرري، يراها مراقبون تتحدث بلسان عفاش، تسعى إلى استكمال مشواره، بل وإلى تحقيق ما عجز عن تحقيقه في الجنوب (إفقار، تجويع، تجهيل)، ثم العودة القهرية بالجنوب إلى باب اليمن. وقد يتعدى ذلك إلى تقسيم وشرذمة الجنوب.
تسويات غير سوية وغير عادلة بل ظالمة، ساهم التصدع الحاصل في الرئاسي إلى التفنن في صناعتها والترويج لها، وحذر محللون من خطورة تمريرها.
الكاتب الصحفي الأستاذ أحمد عبد اللاه، قال في منشور له: كل شيء معلّق في فضاء زمني مفتوح، والانتظار السلبي هو سيّد المشهد. لا أفق سياسي واضح، ولا حتى حراك فعلي لمواجهة الإجراءات العدائية وفكّ الحصار الذي تفرضه سلطة صنعاء، بعد أن بلغ أقصى مداه. وكأن “المناطق المحررة” تترقب لحظة استراحة العالم من صراعات الشرق الأوسط، لعلها تحظى بلفتة اهتمام من القوى الإقليمية والدولية.
ختاماً..
تشكيل المجلس الرئاسي، بصيغته الحالية، كان خطأ كبيراً، ساهم في تفاقم الأوضاع شمالاً وجنوباً، لا يستطيع تقديم أي حلول لمشاكل البلد. وكان الأجدر حل مشاكل الرئاسي البينية قبل تفويضه قيادة الأمة، يأتي في مقدمتها القضية الجنوبية..
إن أي عملية ترميم للمجلس أو محاولة تدوير أعضائه لن يضيف أي جديد أو يأتي بإصلاحات اقتصادية وسياسية، كون قواه الفاعلة متناقضة غير قادرة على الاتفاق أو الإجماع على كلمة سواء.