البيوت الطينية في ميفع.. حرب مع الزمن وصراع مع تقلبات الحياة

تقرير / صبري باداكي
تعتبر البيوت الطينية في ميفع، بمحافظة حضرموت، رمزًا تراثيًا وتاريخيًا للبيوت الميفعية، لما تحمله من رونق جميل ومنظر جذاب يسلب عقول الناظرين، وترسم لوحة تراثية ترمز إلى البيوت الحضرمية القديمة. ناهيك عن اصطفافها جنبًا إلى جنب دون زيادة في الطول أو العرض، لتعطي مشهدًا متناسقًا مع ألوان الأرض والسماء، فتبدو لوحةً جميلةً رسمتها فرشاة الزمن الجميل. ويبلغ عدد البيوت الطينية في ميفع حوالي 500 بيت، منها ما هو منهار، ومنها ما هو قابل للانهيار، ومنها ما لا يزال سليمًا. ورغم ذلك، تظل مقاومتها مؤقتة نظرًا لتعرّض المنطقة للعديد من العوامل الجوية المختلفة.
“المخاطر والمشكلات”
تعاني البيوت الطينية مع مرور الوقت من التشقق والانهيار الجزئي، بسبب عوامل الجو والرطوبة والأمطار الموسمية التي تسقط بغزارة، إضافة إلى عدم وجود اهتمام أو ترميم لبعضها. وربما يُعزى سبب ذلك إلى كونها بيوتًا موروثة، فلماذا يضطر شخص إلى إصلاح بيتٍ يخسر فيه، ثم يأتي إخوته مطالبين بحصتهم منه دون أن يدفعوا فلسًا واحدًا في إقامة جدار أو سد ثقب؟
وقد أصبحت العديد من البيوت الطينية مهجورةً اليوم بسبب الإهمال وانتشار التشققات، حيث يبقى جزءٌ قليل من أفراد الأسرة، بينما يبني الباقون بيوتًا حديثةً من الطوب والأسمنت، و هذا التحوّل أحدث ثورةً في عالم البناء وساهم في زيادة هجران البيوت الطينية، حتى أصبحت بعضها خاليةً تمامًا من ساكنيها، رغم أنها قد تبلغ ثلاثة طوابق أو أكثر.
“مقارنة بين البيوت الحديثة والقديمة”
البيوت الحديثة أكثر ضمانًا ومتانةً من الطينية، نظرًا لقوة أساساتها وتحملها للأمطار الغزيرة، لكنها رغم إيجابياتها تحمل سلبيات مثل ارتفاع حرارتها صيفًا وضعف التهوية، على عكس البيوت الطينية المعتدلة في الصيف والشتاء. أما الحديثة، فحارّة صيفًا وباردة شتاءً، ورغم ذلك، تتميز البيوت الحديثة بتصاميم متطورة وإضافات جذابة كتمديدات الكهرباء الداخلية، بينما في البيوت القديمة تكون الأسلاك خارجيةً ومفاتيحها قديمةً وغير عملية. كذلك، أسقف البيوت الطينية مصنوعة من أخشاب صغيرة وحُصر مُغطاة بالطين، بينما الحديثة تستخدم ألواحًا خشبيةً عريضةً أو خرسانةً تمنع تسرب المياه، بعكس القديمة التي تتضرر أسقفها بالأمطار الطويلة. وإضافة إلى ذلك، نوافذ البيوت الطينية منخفضةٌ مما يسمح بدخول الأتربة، بينما الحديثة مرتفعةٌ وأساساتها أقوى، في حين أن أساسات الطينية من الأحجار والطين وأقل ارتفاعاً.
“ظاهرة البيوت المهجورة”
انتشرت هذه الظاهرة مع التحول إلى البناء الحديث، حيث هجرت أسرٌ كثيرةٌ بيوتَها القديمة (بيت الوراثة)، مما يشكل خطرًا أمنيًا، إذ قد تتحول هذه البيوت إلى ملاذات للسرّاق أو العصابات، خاصةً في الأحياء التي تنتشر فيها البيوت المهجورة أو تفتقر إلى إنارة الشوارع.
“حوادث ذات صلة”
تعرضت بعض البيوت للانهيار بسبب الأمطار الغزيرة والتعرية والرطوبة، مما دفع ساكنيها إلى تركها خوفًا على حياتهم. كما أن بعض البيوت المهجورة أصبحت بمناظر مخيفة، لدرجة تجعل الأهالي يتجنبون المرور بجوارها، خاصةً مع انعدام الإضاءة حولها. ويعلق الأخ عوض بارميل: “البيت الذي نسكنه لم يعد كما كان ويحتاج إلى إصلاحات عاجلة، لكن الظروف المادية لم تسمح لنا ببناء بيت جديد حتى الآن”.
“ختاماً..
تبقى البيوت الطينية رمزًا للثقافة الحضرمية والميفعية، وما زال بعضها مسكونًا، لكن انتشار البيوت المهجورة – سواءً السليمة أو المتضررة – يخلّف آثارًا سلبيةً على المجتمع. وفي المقابل، ساهم الانتقال إلى البيوت الحديثة في تخفيف الضغط السكاني، لكنه فتح الباب أمام التفرقة وانتشار البيوت المهجورة، سواءً بسبب التشققات أو الرغبة في العيش المستقل بعيدًا عن (بيت الوراثة).